قصور الخلافة وأن تكون قصور نسك وطهارة لا قصور إثم وعصيان، وفى ذلك يقول:
لهف نفسى على قصور ببغدا ... د وما قد حوته من كلّ عاص
وخمور هناك تشرب جهرا ... ورجال على المعاصى حراص
لست بابن الفواطم الزّهر إن لم ... أقحم الخيل بين تلك العراص
وهو يسجل على العباسيين انصرافهم عن حياة الدين والعبادة إلى حياة اللهو والمجون والعبث واقتراف الآثام، حتى يستثير الناس معه. وينسب نفسه إلى فاطمة الزهراء، بل إلى الفواطم الزهر، حتى يستهوى القلوب. ويعلن أنه سيجاهد العباسيين ويستمر فى جهاده حتى تسقط بغداد. وظل ثابتا فى جهاده مخلصا له فى أحلك الظروف، حتى بعد أن فقد الأمل، فإنه لم يستسلم للموفق بعد أن استسلمت عامة أنصاره، ولا رضى الأمان حين عرضه عليه كما رضيه أكثر جنده والبقية الباقية منهم، بل ظلّ يقاتل حتى سفك دمه أمام منزله وهو ينشد:
عليك سلام الله يا خير منزل ... خرجنا وخلّفناه غير ذميم
تلقانا بعد ثورة صاحب الزنج ثورة بكر بن عبد العزيز بن أبى دلف فى الكرج وكان شاعرا، وسنعرض له عما قريب. ونشبت ثورة القرامطة، وكان دعاتها يصلونها بالدعوة الإسماعيلية الشيعية، كما مرّ بنا فى الفصل الأول. وكان غير ثائر من هؤلاء الدعاة يصل نفسه مباشرة بمحمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق، مزيفا لذلك سلسلة نسب كاذبة، على نحو ما صنع صاحب الزنج لنفسه نسبا يصله بزيد بن على زين العابدين. وكان داعيتهم الأول قرمط مكوّن الفرقة قد التقى فى سواد الكوفة بأحد دعاة الحركة الإسماعيلية، فانضم إليه، وأخذ فى تنظيم حركته القرمطية واضعا لها من المبادئ الاشتراكية العادلة ما استهوى به قلوب العامة، فتبعه خلق كثير أخذ يغير بهم على سواد الكوفة. وما نصل إلى سنة ٢٨٩ حتى نجده يختفى فى ظروف غامضة، ويتولى زعامة حركته زكرويه الدّندانى، ويرى -كما مرّ بنا-الدولة بالمرصاد له ولجماعته، فيرسل بأبنائه: يحيى والحسين ومحمد إلى قبيلة كلب ببادية السماوية بين العراق والشام، لعلهم يستجيبون إلى دعوتهم، ويتبعهم كثيرون، ويبايعون أكبرهم يحيى بن زكرويه الذى زعم لهم أنه من سلالة