فقال المتوكل: أفعل خيرهما وأمنّ عليك، ارجع إلى منزلك، وخفّف عنه الحكم من الإعدام إلى الحبس وظل فيه حتى وافاه الموت. وفى الطبرى أنه كما كان ينظم بالعربية بعض أشعار له كان ينظم بالفارسية أشعارا أخرى. وكان جوادا ممدّحا طالما قصده الشعراء بمدحهم، وأجزل لهم فى عطائه، وممن ذكر منهم المرزبانى فى معجمه يحيى (١) بن أحمد من أهل مدينة الرّحبة فى الموصل، وفيه يقول:«كان فى ناحية محمد بن البعيث، ومدحه مدحا كثيرا» منه قصيدة أولها:
لا زال محسودا على أفعاله ... وحسوده فى الناس غير محسّد
شطراه بين معاقب أو غافر ... أو عائد متفضّل أو مبتدى
شفعا ووترا كلّ ذاك فعاله ... كالدهر إلا أنه لا يعتدى
فالناس تحت لوائه من راغب ... أو راهب أو رائح أو مغتدى
وكان ابن البعيث يستخدم يحيى فى الدعاية له، وهو يصوره فارسا رائحا غاديا على أعدائه، والناس بين راهب من بطشه وراغب فى كرمه الفياض، وتارة يعاقب أعداءه عقابا أليما، وتارة يعفو عفوا رحيما، ويدعو له أن يظل محسودا متسنما لذروة المجد الرفيعة. ومن قوله فيه:
متى ألق من آل البعيث محمّدا ... أحلّ رياضا للعلا بمحمّد
وتضحك أم البشر عنى بنيله ... فأرجع محسودا بنيل محسّد
ويبدو أن ابن البعيث كان شخصية ممتازة، فهو جواد، وهو شجاع من أهل البأس والفتوة، وهو أديب يحسن العربية والفارسية. وبلغ من ثبات جأشه وجنانه أن أنشد المتوكل الأبيات السالفة وهو على النطع والسيّاف شاهر سيفه يريد أن ينقضّ عليه وأن يحزّ رأسه ويزهق روحه، وشرر الغضب يتطاير من عينى المتوكل وقد انتفخت أوداجه. وكأن ذلك كله لم يملأ نفسه خوفا ولا هلعا، فظل رابط الجأش مجتمع القلب، لا تخونه الكلمة فى اللحظة الحرجة، بل لا يخونه البيت