بعض الآلات الموسيقية. وقد يقوم له بالغناء فى شعره قيان وجوقات مختلفة ترقص وتعزف فى أثنائه. ويظهر أن الشعر أخذ فى أواخر هذا العصر يستقل عن الغناء والموسيقى، فكان بعض الشعراء لا يغنيه، وإنما ينشده إنشادا، والإنشاد مرتبة وسطى بين الغناء والقراءة.
ونحن إذا رجعنا إلى هذا الشعر وجدنا بقايا الغناء والموسيقى ظاهرة فيه ظهورا بينا، ولعل القافية هى أهم هذه البقايا التى احتفظ بها، فهى بقية العزف فيه ورمز ما كان يصحبه من قرع الطبول ونقر الدفوف. ومثلها التصريع فى مطالع القصائد وما كان يعمد إليه الشعراء أحيانا من تقطيع صوتى لأبياتهم كقول امرئ القيس فى معلقته يصف الفرس:
يجده على شاكلة هذا المطلع يلائم كثيرا بين الكلمتين الأخيرتين، وكأن للبيت قافيتين: داخلية، وخارجية، وكأنه يريد أن يهيئ لنفسه أو لمن يتغنى بقصيدته أن يرتفع بصوته فى كلمتين متتاليتين. ولا نشك فى أن صور الأوزان المتنوعة التى يمتاز بها الشعر الجاهلى إنما حدثت بتأثير هذا الغناء، وقد نفذوا منه إلى ضروب من التجزئة فى بعض الأوزان، كمجزوء الكامل والمديد، بل نفذوا إلى أوزان خفيفة كثيرة كالمتقارب والرمل والهزج. وبدون ريب إنما كثرت التجزئة والتعديل فى الرجز لأنه كان وزنا شعبيّا وكان كثير الدوران فى حدائهم وفى كل ما يتصل بهم من حركة وعمل كحفر الآبار والمتح منها ومبارزة الأقران واستصراخ العشائر، فكثر فيه الحذف وكثر التحريف والتعديل كثرة مفرطة، حتى زعم الخليل أنه ليس من أوزان الشعر (١)، وهو شعر غير أن التغنى به نغنيا كثيرا حداء وغير حداء أحدث فيه تغيرات شتى.