للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شدت دارا حلتها مكرمة ... سلّط الله عليها الغرقا

وأرانيك صريعا وسطها ... وأرانيها صعبدا زلقا (١)

صورة سيئة من العقوق أن يتلقى من أبيه الحياة، فلا يشعر بأن له عليه دينا إذ منحه الوجود وقام على تربيته، بل لكأنما جنى عليه جناية لا تغتفر، ولا يمكن أن يزيلها عن نفسه ويمسح أوضارها عن جسده إلا اللعنات يصبّها على أبيه.

ومضى يصبها على الخلفاء والوزراء والكتّاب وكبار رجال الدولة غير هيّاب ولا وجل، بل كأنما كان يبحث عمن ينتقم منه ويطير به طيرة بطيئا سقوطها. وكان من أوائل من تعرض لهم بالهجاء الموفق صاحب البلاء العظيم فى حروب الزنج والصفار.

ونراه ينظم فيه وفى ولاته ووزرائه وموظفيه قصيدة يستهلّها بقوله:

أيرجو الموفّق نصر الإله ... وأمر العباد إلى دانيه

ويأخذ فى هجاء ولاته من مثل الطائى أمير البصرة وإسحق بن عمران أمير الكوفة ووزرائه من مثل إسماعيل بن بلبل، وصاعد بن مخلد وكان نصرانيّا وأسلم واستوزره الموفق، ويصيح:

فخلّ الزمان لأوغاده ... إلى لعنة الله والهاويه

ويظلّه عصر المعتضد المعروف بجبروته وأنه كان يلقى الأسد وحده وأنه إذا غضب على قائد أمر أن تحفر له حفيرة ويلقى فيها وتطمّ عليه، ومع ذلك نراه لا يخاف بطشه ولا يخشى بأسه، إذ نراه يتعرض له بالهجاء، وتارة يقذع فيه وتارة يخز وخز الإبر من مثل قوله فى احتفاله بختان ابنه المقتدر:

انصرف الناس من ختان ... يرعون من جوعهم خزامى (٢)

فقلت لا تعجبوا لهدا ... فهكذا تختن اليتامى

وهو يصفه بالبخل الشديد وأن احتفاله بهذا الختان كان بائسا، حتى لكأنما هو ختان بعض اليتامى الذين لا يجدون من يتيح لهم احتفالا عظيما بختانهم.


(١) صعيدا زلقا: أرضا ملساء.
(٢) الخزامى: من أزهار البادية

<<  <  ج: ص:  >  >>