جزء فيه يفقد تمامه، فهو ماينى يهتف بها حتى يستكمل وجوده، فقد غاب نصفه وهو يتيعه، ويتبعه قلبه من ورائه؛ قلبه الممزق مثل مفاصله، ومثل كبده الجريح، يقول:
كبد شفّها غليل التّصابى ... بين عتب وسخطة وعذاب
كلّ يوم تدمى بجرح من الشو ... ق ونوع مجدّد من عذاب
يا سقيم الجفون أسقمت جسمى ... فاشفنى كيف شئت، لا بك ما بى
فهو يصلى نيران العتاب والسخط، وكل يوم يتجدد جرحه ويتجدد عذابه، وقد أعداه مريض الجفون ولكن لا فى جفونه وإنما فى جسمه بما أصابه به من نحول وذبول وهزال وضنا. ومن أرق الدعاء قوله فى آخر الأبيات:«لا بك ما بى». وتدور له فى كتب الأدب أبيات مفردة تروع بخفتها وطرافة فكرتها من مثل قوله:
كيف ترجى لذاذة الإغتماض ... لمريض من العيون المراض
وقوله:
ليت ما أصبح من رقّ ... ة خدّيك بقلبك
وقوله:
وبكى العاذل من رحمتى ... فبكائى لبكا العاذل
ولعل فى كل ما أسلفنا ما يدل أوضح الدلالة على صدق كلمة ابن المعتز عنه من أنه يبلغ الغاية فى رقة الغزل. وجعله ذلك مألفا لكثير من معاصريه أمثال على بن المعتصم. وكان كثيرون يدعونه إلى مجالسهم ليسمعوا منه غزله ويطرحوه على المغنين والمغنيات، ليكتمل الأنس والطرب، ونحس دائما أنه ظامئ إلى لقاء محبوبته، ويقال إنه فعلا أحب جارية فى مطالع حياته، ولم يستطع لقاءها وقد ظل ظامئا إلى هذا اللقاء حتى مماته.