فمنها يستعير الحسن جماله والغصن قدّه وقوامه، وهما يتعاتبان عتابا رقيقا، ويكرران النظر، وكأنما يؤلم طرفه خدّ صاحبته ويترك فيه أثرا من طول تكراره أما طرفها فيؤلم قلبه بما يرسله من سهامه التى تجرحه فى الصميم. وكأنما كل منهما ظفر من صاحبه بثأره. ولكن شتان ما بين الثأرين: ثأر يجرح الخدود وثأر يجرح القلوب. ويختم الأبيات بفكرة طريفة إذ يقول إنها صدّت عن الصد وانصرفت عن الهجر. وكان يلمّ أحيانا ببعض الأديرة أو يفضى إلى تعاطى بعض كئوس الخمر، أو لعله كان يذكر ذلك على سبيل الدعابة، وكان يمزج هذا الحديث بغزله على عادته، فالغزل دائما مبتغاه من شعره على نحو ما نرى فى قوله:
رأت منه عينى منظرين كما رأت ... من البدر والشمس المضيئة بالأرض
عشيّة حيّانى بورد كأنّه ... خدود أضيفت بعضهن إلى بعض
وناولنى كأسا كأنّ رضابها ... دموعى لما صدّ عن مقلتى غمضى
وولّى وفعل السّكر فى حركاته ... من الراح فعل الرّيح بالغصن الغضّ
وتشبيه الورود المجتمعة بخدود المحبين، وقد تلاصقت وسرى فيهم الخجل، نوّه به القدماء طويلا. وهذه الكأس التى ناولها صاحبته كأس المحبين التى طالما شربوا منها لا الخمر وإنما الدموع، دموعهم التى لا تجف والتى ماتنى تسقط فتمتلئ منها كئوسهم التى لا يعرف الناس أتمتلئ شرابا أم نارا. وله:
إذا كنت فى كلّى بكلّك مفرغا ... فأىّ مكان من مكانك ألطف
فمنّى إذا ما غبت فى كل مفصل ... من الشوق داع كلما غبت يهتف
فهما روحان فى جسد، وهو يحس فراغا لا حدّ له إذا غابت عنه، وكأن كل