وبالمثل ما يليها من الأشعار، ولاحظ هو نفسه ذلك فقال إنه اضطرّ لأن يضيف إلى البيت المتصل بموضوع الأبيات أبياتا أخرى حتى لا يكون مبتورا. والأبيات أو قل الشواهد فى الأبواب تمتد على طول الزمن من العصر الجاهلى حتى عصره.
وقد بدأ بتأليف الكتاب فى حياة أبيه وهو لا يزال حدثا، وفى ذلك يقول:«بدأت بعمل كتاب الزهرة وأنا فى الكتّاب ونظر فى أكثره». وكان فطنا ذكيّا نافذ البصيرة كما كان شاعرا. ويروى أن شخصا سأله فى حلقته عن حد السكر متى هو؟ ومتى يكون الإنسان سكران؟ فأجابه: إذا عزبت عنه الهموم، وباح بسره المكتوم. وفى هذه الإجابة ما يدل على أنه كان ظريفا. ويروى أيضا أن رجلا جاء إلى حلقته فدفع إليه ورقة، فأخذها وتأملها طويلا، وظن تلامذته أنها مسألة فقهية، وقلبها وكتب فى ظهرها الإجابة، فراجعوها. وخاصة حين عرفوا أن الرجل هو ابن الرومى الشاعر المشهور، وإذا فى الرقعة مكتوب:
يا بن داود يا فقيه العراق ... أفتنا فى قواتل الأحداق
هل عليهن فى الجروح قصاص ... أم مباح لها دم العشاق
وإذا الجواب:
كيف يفتيكم قتيل صريع ... بسهام الفراق والإشتياق
وقتيل التلاق أحسن حالا ... عند داود من قتيل الفراق
ويقال إنه كان يهوى فتى من أصبهان يقال له محمد بن جامع الصيدلانى العطار وكان طاهرا فى هواه. فهو إن صح كان هوى نقيّا، أو قل إنه كان تعلقا أوشك أن يكون هوى أو ظنه الناس هوى. وكان ترجمانا للهوى العذرى فى عصره كما كان مؤلفا فيه، إذ صنّف فى أشعاره الجزء الأول من كتابه الزهرة كما أسلفنا. وله فيه أشعار كثيرة يعزوها أو ينسبها إلى أهل عصره كما لاحظ ذلك المسعودى. من مثل قوله:
عن كبدى من خيفة البين لوعة ... يكاد لها قلبى أسى يتصّدع
يخاف وقوع البين والشمل جامع ... فيبكى بعين دمعها متسرّع