فلو كان مسرورا بما هو واقع ... كما هو محزون بما يتوقّع
لكان سواء برءه وسقامه ... ولكنّ وشك البين أدهى وأوجع
وهو يشكو من لوعات الحب التى تكاد تمزّق قلبه حسرات. وهو يخاف البين قبل وقوعه، فيبكى بدموع غزار، فما باله والبين يوشك أن يقع؟ إنه يمعن فى البكاء ويمعن فى الالتياع ويمعن فى الألم والعذاب، ومن قوله:
تمتّع من حبيبك بالوداع ... إلى وقت السرور بالاجتماع
فكم جرّبت من وصل وهجر ... ومن حال ارتفاع واتّضاع
وكم كأس أمرّ من المنايا ... شربت فلم يضق عنها ذراعى
ولم أر فى الذى لاقيت شيئا ... أمرّ من الفراق بلا وداع
تعالى الله كلّ مواصلات ... وإن طالت تؤول إلى انقطاع
وهو يدعو إلى ألا يشكو المحب من الفراق ولحظة الوداع التى طالما عصرت قلوب المحبين، ويقول إنها ليست آخر لحظة يلقى فيها الحبيب، فستأتى بعدها لحظات لقاء، وهكذا الحب أحوال من وصل وفراق ولقاء وهجر. ويقول كم شرب من الحب كئوسا مرة أمر من الموت، فتحمّلها صابرا. وليس أمر من الفراق بلا وداع ولا سلام ولا حتى تحية من بعيد، فإن هذا عذاب لا يطاق، عذاب كأنه الجحيم.
ويثوب الفقيه إلى رشده فالله قد كتب على كل شئ الزوال والفناء. ومن تتمة ذلك عند الفقيه أن يرضى بالقدر المقدور وما كتبه القضاء المحتوم، كأن يقول فى بعض غزله:
أفوّض أسبابى إلى الله كلّها ... وأقنع بالمقدور فيها وأرتضى
فهو دائما يسلّم-فى عذابه بالحب وآلامه فيه وما يصلى من هجر وبعد وفراق-بما أرادته له المقادير. وتشيع فى شعره كلمات فقهية كثيرة مثل كلمات الحلال والحرام والتوبة، ويعلن غير مرة أن حبه عفيف نقى طاهر لا تشوبه أدنى شائبة، يقول: