أنت والله أغزل الناس وأرقهم شعرا، ولو لم تقل غير البيت الأخير لكفاك ولكنت شاعرا مجيدا. وروى له الأغانى أشعارا كثيرة كان يغنى فيها هو وعساليج ومصابيح وغيرهما من مغنيات العصر ومغنيه. ومن الأصوات التى طرب لها الواثق طربا شديدا حين غنّاه بها قوله:
بأبى زور أتانى بالغلس ... قمت إجلالا له حتى جلس
فتعانقنا جميعا ساعة ... كادت الأرواح فيها تختلس
قلت يا سؤلى ويا بدر الدّجى ... فى ظلام الليل ما خفت العسس
قال: قد خفت ولكنّ الهوى ... آخذ بالروح منى والنّفس
زارنى يخطر فى مشيته ... حوله من نور خدّيه قبس
والقطعة بديعة فى خواطرها وفى تصويرها للهيام بالمعشوق، وللمعشوق نفسه وجماله الساحر الوضئ، وأيضا فى صياغتها وموسيقاها. وشعر عبد الله كله شعر وافر الموسيقى، وهو شئ طبيعى لأنه كان يغنيه ويوقعه على آلات الطرب، وكان الجوارى والمغنون من حوله يغنون فيه، فكان يضعه فى نسق موسيقى، تشترك فيه آذانه الداخلية: أذن الشاعر وأذن المغنى وأذن الموسيقىّ، شركة تصفيه من كل الأدران، فإذا ألفاظ الشعر متلاحمة مع قوافيه تلاحما إلى أبعد حدود الدقة، فلا عوج ولا انحراف لا فى لفظ بل لا عوج ولا انحراف فى حرف ولا فى حركة، إذ يعمّ الانسجام والإحكام.
وهذا الأثر الموسيقى فى الألفاظ والحروف والحركات كان يرافقه أثر آخر فى الأوزان إذ نرى عبد الله يشغف بالأوزان المجزوءة والأخرى القصيرة حتى يوفر لأغانيه أو قل لبعضها كل ما يريد من خفة ورشاقة موسيقية.