وهو يكثر من الحديث عن صاحبته النصرانية وعن جوارى البيع والأديرة، وكأنما كان قلبه يتبعهن جميعا ويتمنى لو استطاع أن يجنى معهن زهرات الحب، أو لو أتيح له ذلك من حين إلى حين، ومن قوله فى إحدى جوارى الدير السالف:
وشادن ما رأت عينى له شبها ... فى الناس لا عجما منهم ولا عربا
إذا بدا مقبلا ناديت واطربا ... وإن مضى معرضا ناديت: واحربا
ويصرّح مرارا بأنه لا يحب سوى خمر الأديرة المعتقة، لما كان يخامره فيها من سكرين: سكره بالخمر الحقيقية وسكره برؤية الراهبات المتبتلات ومن يراهن هناك من العذارى الفاتنات. وله يتحدث عن خمر قرية من قراهن تسمى كركين وعن يوم الشعانين وهو العيد المسيحى الذى يقع فى يوم الأحد قبل عيد الفصح:
ألا اصبحانى يوم الشّعانين ... من قهوة عتّقت بكركين
عند أناس قلبى بهم كلف ... وإن تولّوا دينا سوى دينى
ومن الحق أنه لم يكن يبقى لنفسه شيئا من الحشمة فى مجونه، وهو من هذه الناحية شبيه بأبى الشبل، بعيد الشبه من الحسين بن الضحاك مع أنه كان مثله يعاشر الخلفاء والأمراء، وكأن هذه العشرة كانت شيئا سطحيّا، وهو نفسه كان حفيد وزير ومن أسرة رفيعة أو أرستقراطية. وربما جاءه ذلك من أنه كان لا يفيق من الخمر، إذ يقول أبو الفرج إنه كان يشرب الصّبوح كل يوم من دهره ما عدا أيام الجمع وشهر رمضان، فهو نهاره سكران، وكذلك كان ليله. ومثله يسفّ ويهبط إلى الدنيّات، لذلك لا نعجب إذا رأينا الشابشتى يقول عنه:«كان صاحب غزل ومجون كثير التطرح فى الديارات والحانات والاتّباع لأهل اللهو والخلاعة». ومع ذلك له غزل كثير رقيق اشتهر به بين معاصريه، ويروى أن ابن الزيات وزير الواثق وكان أديبا بارعا فى الشعر والنثر قال له: أنشدنى شيئا من شعرك، فقال إنما أعبث ببعض الأبيات، ولست بمكان من ينشدك شعره، فقال له: أتقول هذا وأنت القائل: