للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ضربا لأمثال سائرة، أو قرعا لقوارع زاجرة، أو نظما لحكم بالغة، أو تزهيدا فى حقير عاجل، أو ترغيبا فى جليل آجل، أو حفظا لقديم نسب أو تدوينا لبارع أدب». والقطعة تلمّ فى دقة بالبواعث النفسية لنظم الشعر، فهو شاعر بصير بفنه وبصناعته وقد روى له الحصرى قطعة فى وصفه لشعره يقول فيها:

يتحيّر الشعراء إن سمعوا به ... فى حسن صنعته وفى تأليفه

شجر بدا للعين حسن نباته ... ونأى عن الأيدى جنا مقطوفه

ويذكر من ترجموا له أنه كان شاعرا بارعا غزير الشعر، وسلكه ابن خلكان فى طبقة ابن الرومى والبحترى، ويبدو من بقايا أشعاره أنه نظم فى موضوعات شتى، منها ما يتصل بعلم الكلام وافتخاره بالمتكلمين عامة لما ينيرون من المشكلات الصعبة، يقول:

مطالع الحق ما من شبهة غسقت ... إلا ومنهم لديها كوكب يقد (١)

ومنها ما يتصل بالطبيعة وبالغزل ومجالس الأنس، وصبّ أكثر عنايته على وصف الطرد والصيد وجوارحه وضواريه ومصيداته وآلاته. ويكفى لبيان كثرة هذا الجانب عنده واستنفاده لأكثر شعره أن نجد «كشاجم» يجعل أشعاره ركنا أساسيّا صنع «كتابه المصايد والمطارد» فقد اعتمد فيه على طردياته اعتمادا شديدا، وأول ما نقف عنده فى هذا الكتاب طردية له فى صيد أحد الكلاب يستهلّها على هذا النمط:

قد أغتدى والفجر فى حجابه ... لم يحلل العقدة من نقابه

بأغضف عيشه من عذابه ... من صولة بظفره ونابه (٢)

يراح أن يدعى ليغتدى به ... روحة ذى النّشوة من شرابه (٣)

يخطّ بالبرثن فى ترابه ... خطّ يد الكاتب فى كتابه (٤)

والطريف فى هذا الاستهلال أنه جعل الكلب كادحا لا يقيم أوده إلا بعرق جبينه وصولاته بظفره ونابه، وأيضا فإنه جعله يشعر بنشوة ما بعدها نشوة حين


(١) غسقت: دجت وأظلمت. يقد: يشتعل.
(٢) أغضف: مسترخى الأذن.
(٣) يراح: يجد خفة ونشاطا.
(٤) البرثن: المخلب.

<<  <  ج: ص:  >  >>