للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يندبه صاحبه للصيد، وتستحيل الأرض كأنها مشق أو صحيفة وهو يخطّ فيها ببراثنه، ويتبع كشاجم هذه الطّردية بطردية أخرى تطرّد على هذا السياق:

يا ربّ كلب ربّه فى رزقه ... برى حقوق النفس دون حقّه

متّبعا بخلقه لخلقه ... كأنما يملك عقد رقّه

يصونه بجلّه ودقّه ... كآمل من مالك لعتقه (١)

تراه فى تسريحه وربقه ... كعاشق أضناه طول عشقه (٢)

أصفر يلهى العين حسن خلقه ... كذهب أبرزته من حقّه

ذو غرّة فارقة لفرقه ... وذو حجول بيّنت عن سبقه (٣)

وقد جعل الناشئ ربّ هذا الكلب وصاحبه يقدّمه على نفسه فى غذائه، ويأتسى به، حتى لكأنما يشتق أخلاقه من أخلاق هذا الكلب أو قل السيد المطاع الذى يملك رقه، وإنه ليرعاه فى كل كبيرة وصغيرة، وكأنه عبد يتقرب لمالكه بكل ما يصونه ويحفظه حتى يفك رقبته ويرد عليه حريته. ويعود إلى فكرة عشق الكلب للصيد، فيجعله حين يكون فى ربقته وحبله كعاشق طال عليه البين والهجران، حتى أصابه ضنى شديد، ويتحدث عن حسنه وجمال صفرته الأخاذة وغرّته فى جبهته وحجوله فى سيقانه، وبياضها يلمع فى أثناء عدوه كأنه ضوء ساطع. وله فى البازى طرديات مختلفة يصور فيها حسنه وما خلع عليه الخالق من ريشه وجماله، وفيه يقول:

ألبسه الخالق من ديباجه ... ثوبا كفى الصانع من نساجه

حال من السّاق إلى أوداجه ... وشيا يحار الطّرف فى اندراجه (٤)

فى نسق منه وفى انعراجه ... وزان فوديه إلى حجاجه (٥)

بزينة كفته عزّ تاجه ... وظفره يخبر عن علاجه

لو استضاء المرء فى إدلاجه ... بعينه كفته عن سراجه

فالخالق جلّ شأنه كساه ثوبا من الديباج يملأ النفس إعجابا بوشيه وخطوطه


(١) الجل والدق: الكثير والقليل.
(٢) الربق: من الربقة وهى حبل يشد منه الكلب.
(٣) الحجول: بياض فى سيقلن الكلب.
(٤) الأوداج: عروق فى العنق.
(٥) الحجاج: عظم الحاجب.

<<  <  ج: ص:  >  >>