للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكبيرة هناك ويضرب العرب قباب الأدم، وتجتمع العشائر من أنحاء الجزيرة ومعها شعراؤها وما يحملون فى حجورهم من حجارة الهجاء.

ودار هجاؤهم على كل ما يناقض مثلهم التى صورناها فى غير هذا الموضع، وقد قلنا إنه كانت تجمعها كلمة المروءة، وهى تعنى عندهم فضائلهم من الشجاعة والكرم وحماية الجار والوفاء والنجدة وطلب الثأر، وما هى إلا أن يدخل الشاعر فى الهجاء فإذا هو يخلّص القبيلة وأشرافها من كل هذه الفضائل وما يتصل بها فهى لا تكرم الجار ولا تحميه، وهى تفرّ فى الحروب وتقعد عن الأخذ بثأرها. ولا يكتفى الشعراء الهجاءون بذلك بل يتعرضون لمخازى القبيلة فى حروبها وأيامها التى ولت على أدبارها فيها منهزمة منكسة الأعلام، واقرأ فى المفضليات قصيدة ربيعة بن مقروم رقم ٣٨ فستراه يذكر أمجاد قبيلته فى أيام بزاخة والنّسار وطخفة والكلاب وذات السّليم، واقرأ قصائد بشر بن أبى خازم الأسدى فى المفضليات أيضا فستجده يفصل الحديث عن حروب قومه مع بنى عامر فى يوم النسار ومعهم ومع أحلافهم من تميم فى يوم الجفار وما أنزلوا بهم من خسائر فى الرجال، وتعرض لانتصاراتهم على كثير من القبائل مثل جرم والرباب وجذام وبنى سليم وبنى كلاب وبنى أشجع ومرة بن ذبيان.

ولم يكونوا يقفون عند ذلك، بل كانوا يقذفون فى الأعراض ويطعنون فى الأنساب، متعرضين للأمهات على نحو ما نرى عند الجميح الأسدى فى هجاء بنى عامر وقد غدروا بأسدى منهم وقتلوه فقال يعيرهم بما غدروا، مفدّيا أمهم سلمى استهزاء بهم لما ألحقوا بها من العار، ثم عاد فادّعى عليها البغاء (١):

سائل معدّا من الفوارس لا ... أوفوا بجيرانهم ولا غنموا

فدى لسلمى ثوباى إذ دنس ال‍ ... قوم وإذ يدسمون ما دسموا (٢)

أنتم بنو المرأة التى زعم ال‍ ... نّاس عليها فى الغىّ ما زعموا

واسترسل يصمها أبشع الوصم بأبيات ثلاث لا نستطيع التمثل بها لإمعانه فى الفحش. وكثيرا ما يتعرضون لشخص فيزعمون أنه دعىّ فى قومه زنيم. وشاع بينهم هذا الضرب من الوقوع فى الأعراض، مما نجد آثاره فيما بعد عند جرير والفرزدق


(١) المفضليات ص ٤١.
(٢) ثوباى: أراد نفسه. يدسمون: من الدسم وهو الدنس. يقول ذلك تهكما واستهزاء بهم وبأمهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>