للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

علقمة بن علائة وكما بكى عبد الله بن جدعان من بيت لخداش بن زهير» (١) وفى السيرة النبوية أن الرسول صلى الله عليه وسلم طلب إلى شعراء المدينة أن يعينوه بأهاجيهم فى قريش، ويروى أنه قال لحسان بن ثابت، وقد أخذ فى هجاء القرشيين: «لشعرك أشد عليهم من وقع النّبل» وفى ذلك ما يصور مدى أثر الهجاء فى نفوس العرب، فقد كان سلاحا لا يقل عن أسلحتهم فى القتال، ولذلك قرنه عبد قيس ابن خفاف البرجمى إلى ما يلقى به أعداءه من سيف ورمح ودرع، يقول (٢):

فأصبحت أعددت للنائبا ... ت عرضا بريئا وعضبا صقيلا (٣)

ووقع لسان كحد السّنان ... ورمحا طويل القناة عسولا (٤)

وسابغة من جياد الدّرو ... ع تسمع للسيف فيها صليلا

كماء الغدير زفته الدّبور ... يجرّ المدجّج منها فضولا (٥)

فاللسان كان ينكأ بهجائه فى الأعداء نكأ السيوف والرماح. ويخيل إلى الإنسان كأنما تراصّ شعراء القبائل بجانب فرسانها وشجعانها فى صفوف، وقد أخذ كل منهم يريش سهام هجائه ويرمى بها أعداءه من الأشراف والقبائل، وكل يحاول أن يكون سهمه أنفذ السهام وأصماها. حتى لا تقوم للشريف وقبيلته قائمة. وكانوا ينتهزون فرصة تلاقيهم فى الأسواق وخاصة سوق عكاظ، فينشدون أهاجيهم لتذيع، وليلحقوا بخصومهم كل ما يريدون من خزى وعار، وفى ذلك يقول راشد بن شهاب اليشكرى لقيس بن مسعود الشيبانى (٦):

ولا توعدنّى إننى إن تلاقنى ... معى مشرفىّ فى مضاربه قضم (٧)

وذمّ يغشّى المرء خزيا ورهطه ... لدى السّرحة العشّاء فى ظلها الأدم (٨)

وهو يشير إلى سرحة أو شجرة عظيمة كانت بعكاظ، حيث تقام السوق


(١) الحيوان ١/ ٣٥٧ - ٣٦٣.
(٢) المفضليات ص ٣٨٦.
(٣) العضب: السيف القاطع، والصقيل: المصقول الحاد.
(٤) العسول: اللبن المصمى.
(٥) زفته: حركته، الدبور: ريح غربية تقابل الصبا، المدجج: تام السلاح، ويجر منها فضولا كناية عن أنها سابغة تفضل عن أطرافه.
(٦) المفضليات ص ٣٠٨.
(٧) المشرفى: السيف، وقضم: فلول من كثرة الطعن.
(٨) السرحة: الشجرة، العشاء، الخفيفة.

<<  <  ج: ص:  >  >>