للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان فى القبيلة من شرف وأشراف كان هجاؤها عندهم، إذ كانوا لا يزالون يتعرضون لها ولأشرافها بأقبح الهجاء وأقذعه، يقول الجاحظ أيضا:

«إذ استوى القبيلان فى تقادم الميلاد، ثم كان أحد الأبوين كثير الذّرء (النسل) والفرسان والحكماء والأجواد والشعراء، وكثير السادات فى العشائر وكثير الرؤساء فى الأرحاء (القبائل الكبيرة) وكان الآخر قليل الذّرء والعدد ولم يكن فيهم خير كثير ولا شر كثير خملوا أو دخلوا فى غمار العرب وغرقوا فى معظم الناس وكانوا من المغمورين ومن المنسيين فسلموا من ضروب الهجاء. . وسلموا من أن يضرب بهم المثل فى قلة ونذالة، إذ لم يكن (منهم) شر وكان محلهم من القلوب محل من لا يغيظ الشعراء ولا يحسدهم الأكفاء. . وإذا تقادم الميلاد. . . وكان فيهم خير كثير وشر كثير ومثالب ومناقب لم يسلموا من أن يهجوا ويضرب بهم المثل. ولعل أيضا أن تنفق لهم أشعار تتصل بمحبة الرواة وأمثال تسير على ألسنة العلماء. فيصير حينئذ من لا خير فيه ولا شر أمثل حالا فى العامة ممن فيه الفضل الكثير وبعض النقص ولا سيما إذا جاوروا من يأكلهم وحالفوا من لا ينصفهم كما لقيت غنىّ أو باهلة. . فمن القبائل المتقادمة الميلاد التى فى شطرها خير كثير وفى الشطر الآخر شرف وضعة مثل قبائل غطفان وقيس عيلان ومثل فزارة ومرّة وثعلبة ومثل عبس وعبد الله بن غطفان ثم غنىّ وباهلة واليعسوب والطفاوة، فالشرف والخطر فى عبس وذبيان، والمبتلى والملقى والمحروم والمظلوم مثل باهلة وغنىّ مما لقيت من صوائب سهام الشعراء وحتى كأنهم آلة لمدارج الأقوام ينكبّ فيها كل ساع ويعثر بها كل ماش.

وربما ذكروا اليعسوب والطفاوة وهاربة البقعاء (من ذبيان) وأشجع الخنثى ببعض الذكر. . وجلّ معظم البلاء لم يقع إلا بغنى وباهلة وهم أرفع من هؤلاء وأكثر فضولا ومناقب. حتى صار من لا خير فيه ولا شر عنده أحسن حالا ممن فيه الخير الكثير وبعض الشر. . ومن هذا الضرب تميم بن مرّ وثور وعكل وتيم ومزينة، ففى عكل وتيم ومزينة من الشرف والفضل ما ليس فى ثور، وقد سلمت ثور إلا من الشئ اليسير، مما لا يرويه إلا العلماء، والتحف الهجاء على عكل وتيم. وقد شعّثوا بين مزينة شيئا. . وقد نالوا من ضبّة مع ما فى ضبة من الخصال الشريفة. . ولأمر ما بكت العرب بالدموع الغزار من وقع الهجاء. كما بكى مخارق بن شهاب وكما بكى

<<  <  ج: ص:  >  >>