للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ففزع الحارث ورد عليه ما سلبه منه (١). وواضح أن زهيرا يستخدم فى وصف هجائه المنتظر كلمة الدنس، فهو سيلحق به عن طريق هجائه الرّجس والإثم.

ويروى أن رجلا يسمى زرعة بن ثوب من بنى عبد الله بن غطفان خدع غلاما من عشيرة مزّرد بن ضرار الشاعر يسمى خالدا كان يرعى إبلا لأبويه فاشتراها منه بغنم واستاقها، ورجع الغلام إلى أبويه فأخبرهما بما فعل، فقال أبوه: هلكت والله وأهلكتنا، وركب إلى مزرّد وقصّ عليه القصة، فقال مزرّد: أنا ضامن لك أن تردّ عليك بأعيانها، وأنشأ قصيدة طويلة يتوعد فيها زرعة، ويطلب إليه أن يرد الإبل، ونراه يعوّذها بهجائه، فهى إن لم ترد ستكون نارا تأتى على الأخضر واليابس عند زرعة وقومه وسيصيبها الجرب والأمراض المستعصية، يقول (٢):

فيا آل ثوب إنما ذود خالد ... كنار اللّظى، لا خير فى ذود خالد (٣)

بهن دروء من نحاز وغدّة ... لها ذربات كالثّدىّ النواهد (٤)

جربن فما يهنأن إلا بغلقة ... عطين وأبوال النساء القواعد (٥)

وقد تحولوا يصبّون أهاجيهم ولعناتهم على خصومهم هم وعشائرهم، فلم يسلم منها أحد من أشرافهم، يقول الجاحظ: «وإذا بلغ السيد فى السؤدد الكمال حسده من الأشراف من يظن أنه الأحق به، وفخرت به عشيرته فلا يزال سفيه من شعراء تلك القبائل قد غاظه ارتفاعه على مرتبة سيد عشيرته فهجاه، ومن طلب عيبا وجده فإن لم يجد عيبا وجد بعض ما إذا ذكره وجد من يغلط فيه ويحمله عنه.

ولذلك هجى حصن بن حذيفة، وهجى زرارة بن عدس وهجى عبد الله بن جدعان وهجى حاجب بن زرارة. وإنما ذكرت لك هؤلاء لأنهم من سؤددهم وطاعة القبيلة لهم لم يذهبوا فيمن تحت أيديهم من قومهم ومن حلفائهم وجيرانهم مذهب كليب بن ربيعة ولا مذهب حذيفة بن بدر ولا مذهب عيينة بن حصن ولا مذهب لقيط بن زرارة. . فإن هؤلاء وإن كانوا سادة فقد كانوا يظلمون (٦)» وبمقدار ما


(١) أغانى ١٠/ ٣٠٧ وما بعدها.
(٢) المفضليات ص ٧٩.
(٣) الذود: الجماعة القليلة من الإبل.
(٤) دروء: جمع درء وهو النتوء. والنحاز: داء يصيب الإبل بالسعال. الغدة: طاعون الإبل. الذربات: جمع ذربة وهى رأس الخراج، النواهد: النواهض.
(٥) يهنأن: يطلين. الغلقة: شجر يدبغ به الجرب. عطين يريد أنه لا يدبغ بها إلا بعد العطن، القواعد: العجائز.
(٦) الحيوان ٢/ ٩٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>