للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يسقط فيه كل ما يقضمه. أما عينه فمن شدة توقدها كانت كأنها البرق الخاطف.

وكأن الموت كان يجم على فمه بين لحييه وملتثمه.

وللناشئ وراء طردياته أشعار كثيرة تدل على أنه حقّا كان صاحب شاعرية خصبة. وقد رفدها مبكرا بثقافته الكلامية التى أعدته ليحاور ويداور أرسطو والخليل بن أحمد وعلماء النحو واللغة. ولا ريب فى أنها وصلته بكل ينابيع الثقافة فى عصره يونانية وغير يونانية. ويقول من ترجموا له إنه كان يقول فى خلاف كل معنى قالت فيه الشعراء، غير أنهم لم يوردوا لنا شيئا من هذا القول، إنما أوردوا له هنا وهناك بعض أبيات رائعة الصور من مثل بيتيه اللذين أنشدناهما فى الفصل الرابع وهما فى وصف سحاب هاطل.

وفى الحق أنه كان يعرف كيف يولّد الصور وكيف يستخرجها من مكامنها وكيف ينظمها شعرا عذبا، يحفل بكل ما يملأ النفس إعجابا به على شاكلة قوله:

متعاشقان مكاتمان هواهما ... قد نام بينهما العتاب فطابا

يتناقلان اللحظ من جفنيهما ... فكأنما يتدارسان كتابا

وقوله:

يلوح فى خدّه ورد على زهر ... يعود من حسنه غضّا إذا قطفا

والزهر فى البيت طبعا هو زهر النرجس الذى تشبه به العيون، وعبّر عن القبلة بأنها اقتطاف لورد الخدود، وجعلها تثير فيها من الحمرة ما يعود بها غضّة إلى أول مجتناها وباكورته. وله:

ليس شئ أحرّ فى مهجة العا ... شق من هذه العيون المراض

والخدود المضرّجات اللواتى ... شيب جريالها بحسن البياض

وطروق الحبيب والليل داج ... حين همّ السّمّار بالإغماض

<<  <  ج: ص:  >  >>