للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فى العصر الأموى، وإن تحولت أحيانا من الشعور القبلى إلى الشعور الجماعى، أما منذ العصر العباسى الأول فقد أخذ يغلب الشعور بالروح الجماعية ويقلّ الشعور بالروح القبلية، حتى إذا كان هذا العصر نضب هذا الشعور جدّا بينما ظل الشعور بالروح الجماعية حيّا مشتعلا. وكان من أهم العوامل فى ذلك أن جمهور الشعراء كان من الطبقة العاملة، وقلما نبغ شاعر من الطبقة الأرستقراطية. حتى من عاش من هؤلاء الشعراء حول موائد الخلفاء وفى قصورهم ظلّ موصولا بروح الشعب، فهو يتغنّى بتقوى الخليفة وبما ينشر من العدالة التى لا تصلح حياة الرعية بدونها. وكانوا يمدحون أبطال المعارك الحربية معبّرين عن روح الشباب والحمية الوطنية والإسلامية.

وإذا كان المديح يتصل بروح الشعب على هذا النحو فأولى لغيره من أغراض الشعر أن تكون صلته أوثق وأقوى. وحتى حياة المجون وما اتصل منها بوصف الأعياد الإسلامية والمسيحية والفارسية وملاهيها كان يحسّها الشعب وتعيشها على الأقل فى تلك الأعياد أسراب منه. أما شعر الزهد والتصوف فكان يلقى على العامة وكان من وحى حياتها وما يسرى فيها من شظف وضنك وإعسار. وبهذا الأسلوب نفسه يمكن الوصل بين الغزل والفنون الأخرى وبين الشعب، ولكن ليس هذا ما نريده من الشعر الشعبى الذى نتحدث عنه، فنحن نريد منه نوعا خاصّا، هو النوع الذى يصوّر ما كانت عليه الرعية من تعاسة وبؤس، فالخلفاء والوزراء والأمراء وذوو الوجاهة ومن لحق بهم من بعض المغنين والشعراء يعيشون فى النعيم وأدواته ووسائله مستمتعين بالحياة أقصى ما يكون الاستمتاع دون أن يبذلوا أى جهد ودون أن يحتملوا أى عناء، على حين ترزح عامة الشعب تحت أثقال البؤس الممضّة جائعة ظامئة، غير آمنة من العبث والطغيان اللذين صورناهما فى فصل الحياة الاجتماعية. وكان طبيعيّا أن يكثر الشعراء الذين يصورون ما يتجرّعونه ويتجرعه الشعب من الفقر والإمعان فى البؤس والتعبة؟ ؟ ؟ . ومن المؤكد أن جلّ ما نظموه ضاع، لأنهم من أبناء الشعب، وهم عادة لا يهمهم تسجيل ما ينظمونه، بل هم آخر من يهتم بمثل هذا الشرف، وحتى ما سجّل من هذا الشعر لم يسجّل معه اسم صاحبه إلا نادرا (١).


(١) انظر المحاسن والمساوى للبيهقى (طبعة مكتبة نهضة مصر) بتحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ١/ ٤٤٨ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>