للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن شعراء الكدية الذين ذهبوا مذهب أبى العبر فى التحامق والهزل أبو العجل (١) وله أشعار كثيرة يدعو فيها إلى اتخاذ التحامق حرفة، وأى حرفة، لقد درّت عليه خيرا كثيرا وأموالا وبغالا وغلمانا. يقول:

أيا عاذلى فى الحمق دعنى من العذل ... فإنى رخىّ البال من كثرة الشّغل

ومرنى بما أحببت آت خلافه ... فإن جئتنى بالجدّ جئتك بالهزل

وإن قلت لى: لم كان ذاك؟ جوابه ... لأنى قد استكثرت من قلّة العقل

فأصبحت فى الحمقى أميرا مؤمّرا ... وما أحد فى الناس يمكنه عزلى

وصيّر لى حمقى بغالا وغلمة ... وكنت زمان العقل ممتطيا رجلى

فلا داعى للعذل واللوم فإن حرفة الكدية جعلته سيدا مطاعا وأثرته ثراء واسعا، وأصبح الناس لا يضيقون به، بل يرحّبون به فى كل مكان. وكان الشعراء المكدون حينئذ يطوفون فى بلدان العراق وغير العراق، جوّالين مكثرين من الأسفار فى الاحتيال لجلب الأموال، وفى ذلك يقول أبو العجل لبعض من عذلوه على كديته وحرفته:

أعلى الحماقة لمتنى ... قد كنت مثلك أولا

فدخلت مصر وأرضها ... والشام ثم الموصلا

وقرى الجزيرة لم أدع ... فيها لحى منزلا

إلا حللت فناءه ... بالعقل كى أتموّلا

وممن اتخذ الكدية حرفة فى العصر أبو عبد الله اليعقوبى وكان كثير الوصف لنفسه بالجوع والفقر والتطفيل، وروى له المرزبانى أشعارا (٢) تدخل فى الزهد.

ونقف قليلا عند جحظة والخبز أرزى وتصويرهما لبعض جوانب النزعة الشعبية.


(١) انظر فيه وفى أشعاره طبقات الشعراء لابن المعتز ص ٣٤٠.
(٢) معجم الشعراء ص ٣٩٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>