وسأله ثعلب العالم النحوى المشهور: الظّبى معرفة أو نكرة؟ فأجابه: إن كان مشويّا على المائدة فمعرفة وإن كان فى الصحراء فهو نكرة، فقال ثعلب له: ما فى الدنيا أعرف منك بالنحو. وكان يجلس الغلمان «الأدباتية» إليه ليسجلوا كلامه، مما جعله يصنّف لهم كتاب جامع الحماقات ومأوى الرقاعات وكتاب نوادره وكتاب المنادمة، ويروى أن غلاما سأله: لم صار نهر دجلة أعلى من نهر الفرات والقطن أبيض من الكمأة (ثمرة صحراوية أرضية) فأجابه:
لأن الشاة ليس لها منقار وذنب الطاووس أربعة أشبار. وكان بهذا وأشباهه تروج بضاعته عند المكدين من الأدباتية وغير المكدين، وسئل عن لغته التى يتكلم بها وما فيها من استحالات أىّ شئ أصلها؟ فقال: إننى أبكّر فأجلس على الجسر ومعى دواة وقرطاس فأكتب كل شئ أسمعه من كلام الذاهب والجائى والملاحين والمكارين حتى أملأ القرطاس من الوجهين، ثم أقطعه عرضا وألصقه مخالفا فيجئ منه كلام ليس فى الدنيا أحمق منه. وكان ما يزال يغرب فى كل ما ينظم من شعر، ملتزما للغة العامّة وما يشبهها، ومن قوله فى بعض غزله:
وباض الحب فى قلبى ... فواويلى إذا فرّخ
ويستمر فى مثل هذا الهزل، وكان ينصح بعض شباب الشعراء من حوله أن يقولوا الشعر جيدا جيدا وإلا فليكن باردا باردا مثل شعره، ومما رواه له ابن المعتز من كلامه الهزلى البارد المضطرب الوزن قوله:
أنا أنا أنت أنا ... أيا أبو العبرنّه
أنا الفتى الحمقوقو ... أنا أخو المجنّة
أنا أحرّر شعرى ... وقد يجى بردنّه
وواضح أنه أضاف إلى أبياته النون المشددة الهاء هزلا وطلبا لإضحاك من حوله. وله أشعار من هذا النمط كلها هزل ودعابة، وقد اتخذه الشعراء «الأدباتية» الذين خلفوه إماما لهم فى مثل هذا الهزل وما كان يسلكه فى أشعاره من ألفاظ العامّة وأساليبهم الركيكة