للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلا ما قد يكون أصاب بعض رسائله لطول المسافة بيننا وبينه، وما أدخلته أيدى النسّاخ على مر العصور فى كتاباته، من بعض الخلل. وهو على كل حال خلل قليل جدّا، وبين أيدينا ترجمته لكليلة ودمنة، وهى من أروع الترجمات القديمة، وتدلّ بحق على أنه كان أحد بلغاء العربية لعصره. ولكن ابن المقفع يعد شخصية نادرة بين مترجمى العصر العباسى الأول، إذ لم يكن لكثرتهم بلاغته ولا فصاحته، لذلك أحسّ المترجمون فى العصر العباسى الثانى عندهم غير قليل من الانحراف فى التعبير، وتنبّهوا إلى أن ذلك جاءهم من الترجمة الحرفية، فأخذوا يعيدون ترجمة كثير مما نقلوه. وكان هذا كسبا للنثر العربى فإن الضّيم الذى كان يداخل الترجمات أخذ يزايلها. واتبع حنين بن إسحاق-أكبر مترجمى العصر-منهجا فى ترجمته أن يجمع للكتاب المترجم كلّ ما يمكنه من مخطوطاته، وأن يعارضها بعضها على بعض مقابلا بين عباراتها، محاولا أن يستخلص منها المعانى بكل دقة. وهو أستاذ المترجمين والترجمة فى العصر العباسى الثانى الذى وضع بقوة فكرة ترجمة المعانى لا ترجمة الألفاظ أو الترجمة الحرفية. وكان يعمل بين يديه كثير من الشباب فى مقدمتهم ابنه إسحق وابن أخته حبيش، يترجمون حسب منهجه، وهو يراجعهم ويصلح لهم بعض ما ترجموه على هدى طريقته الجديدة.

وكان من الكتب التى أعادت ترجمتها هذه المدرسة كتاب الخطابة لأرسططاليس، ترجمه إسحق بن حنين وينصّ ابن النديم فى الفهرست على أنه كان قد نقل قبل ذلك نقلا آخر، ولا يعيّن صاحبه، غير أنه يسميه «النقل القديم». وقد يقال إذا كانت الترجمة فى هذا العصر أصلحت الترجمات القديمة، وبدت فى أسلوب عربى مستقيم، فلماذا يبدو الخلل والاضطراب الشديد فى ترجمة متّى بن يونس لكتاب أرسططاليس عن الشعر؟ وأكبر الظن أن هذا الاضطراب والخلل مصدرهما أن موضوع الكتاب وهو المأساة وما اتصل بها من الشعر القصصى لم يرتسما فى ذهن متّى رسما بيّنا، إذ كان السريان-مثل العرب-لا يعرفون شيئا عن الشعر اليونانى وفنونه التى ظهرت عندهم القصصية والغنائية والتمثيلية، وهذا هو السبب فيما أصاب ترجمة كتاب الشعر لأرسطو عند متّى من تعثر وخلل. وقد يكون الخلل والعتثر موجودين فى الأصل السريانى الذى نقل عنه الكتاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>