للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الملمّات وكرمها فى الجدب وحمايتها للجار وإغاثتها للملهوف. وفى أثناء ذلك يصوّب سهام الهجاء إلى نحور أعدائهم، وكأنه يريد أن يقضى عليهم قضاء مبرما.

ونحس فى هذه الحماسة أثر الموجدة الشديدة والحقد البالغ على خصومهم، فهم دائما يتعرضون لهم يهددونهم ويتوعدونهم انتقاما مروّعا، وكان أشد ما يهيجهم أن يقتل منهم قتيل، فحينئذ تهيج القبيلة ويهيج شعراؤها هياجا لا حدّ له، فإذا ثأرت لنفسها وشفت غلّها وحقدها أخذ شعراؤها ينشدون أناشيد النصر من مثل قصيدة دريد بن الصّمّة التى يتغنى فيها بأنه ثأر من قتلة أخيه عبد الله، ومع ذلك لا يزال يتوعدهم، يقول (١):

ويا راكبا إما عرضت فبلّغن ... أبا غالب أن قد ثأرنا بغالب (٢)

قتلت بعبد الله خير لداته ... ذؤاب بن أسماء بن زيد بن قارب (٣)

فلليوم سمّيتم فزارة فاصبروا ... لوقع القنا تنزون نزو الجنادب (٤)

تكرّ عليهم رجلتى وفوارسى ... وأكره فيهم صعدتى غير ناكب (٥)

فإن تدبروا يأخذنكم فى ظهوركم ... وإن تقبلوا يأخذنكم فى التّرائب (٦)

وإن تسهلوا للخيل تسهل عليكم ... بطعن كإيزاغ المخاض الضوارب (٧)

ومرّة قد أخرجنهم فتركنهم ... يروغون بالصّلعاء روغ الثعالب (٨)

وأشجع قد أدركنهم فتركنهم ... يخافون خطف الطير من كل جانب

وثعلبة الخنثى تركنا شريدهم ... تعلّة لاه فى البلاد ولاعب

فليت قبورا بالمخاضة أخبرت ... فتخبرعنا الخضر خضر محارب (٩)


(١) الأصمعيات ص ١١٧.
(٢) عرضت: أتيت العروض، يريد مكة والمدينة وما حولهما.
(٣) لدات: جمع لدة وهو الترب والكفء.
(٤) النزو: الوثب، الجنادب: ضرب صغير من الجراد.
(٥) رجلتى: جمع راجل ضد الفارس الراكب، وهم المشاة. والصعدة: القناة. غير ناكب: غير عادل عنهم.
(٦) الترائب: عظام الصدر.
(٧) تسهلوا: تنزلوا السهل من الأرض. المخاض: الحوامل من النوق، الضوارب: اللواقح، وإيزاغها أن ترمى ببولها شبه رشاش الطعنة من الدم ببولها ورشاشه.
(٨) يروغون: يذهبون هنا وهناك. الصلعاء موضع هو مكان معركته مع مرة.
(٩) المخاضة: موضع من ديار ذبيان، وخضر محارب: قبيلة.

<<  <  ج: ص:  >  >>