للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قبل الحوادث والكوائن والأكوان ولم يزل، كان مذكورا قبل القبل وبعد البعد، هو الذى جلا الصّدأ عن الصدر المغلول، وهو الذى أتى بكلام قديم لا محدث ولا مقول ولا مفعول. . . فوقه غمامة برقت، وتحته برقة لمعت وأشرقت وأمطرت وأثمرت. العلوم كلها قطرة من بحره، والحكم كلّها غرفة من نهره، الأزمان كلها ساعة من دهره، هو الأول فى الوصلة، والآخر فى النبوة، والباطن بالحقيقة، والظاهر بالمعرفة».

و«طس» تبتدئ بها سور معروفة فى القرآن الكريم، وقد اختار جمعها اسما لكتابه! وهو يشيد بالرسول عليه السلام متمثلا فيه فكرة اللاهوت، بل إنه ليجعل نوره المحمدى أول شئ خلقه الله. وقد ظل يظهر فى نبوات الأنبياء منذ آدم، وليس ذلك فحسب. فهو مبدأ الوجود وروحه، وهو منبع العلم والعرفان والحكمة، أو هو الأول السابق فى الوجود لكل وجود، وهو الآخر فى النبوات وبين الأنبياء.

وكأنه الحقيقة الإلهية السارية فى الوجود كله. فمنها يستمد الكون وجوده وكل نبى نوره. بل إنه هو المشاهد فى كل نور. وذكر أن الرسول عليه السلام أتى بكلام قديم، وبذلك خالف المعتزلة مخالفة صريحة فى قولهم بأن القرآن كلام الله ليس قديما بل هو مخلوق وحادث.

وواضح أن الحلاج كان يستخدم فى كتابه الطواسين السجع. وبذلك لاءم بين أسلوبه وأسلوب الكتابة فى أواخر القرن الثالث وأوائل الرابع فإن السجع أخذ يعم فى الكتابات الأدبية. وربما كان فى اختياره لهذا الأسلوب ما يدل على أنه أراد أن يرتفع بكتابه الطواسين عن الطبقة العامة إلى الطبقة الخاصة محاولا أن يؤثر فيها بما حشده فيه من السجع تارة ومن الشعر تارة ثانية، وكأنه كان يعرف قبل غيره أن العامة لن تفهم أفكاره الصوفية المعقدة، فقدّمها إلى الطبقة الخاصة مودعا فيها من السجع والشعر ما يفسح للرمز والتأويل.

<<  <  ج: ص:  >  >>