للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المناظرة عن عاقبة ثلاثة: مؤمن وكافر وصبى ماتوا جميعا، فأجابه بأن المؤمن من أهل الدرجات والكافر من أهل الهلكات والصبى من أهل النجاة. وأخذ الأشعرى يراجعه إلى أن قال له: فلو قال الكافر: يا رب علمت حال الصبى وأنه لو بقى لعصى وعوقب فراعيت مصلحته، وعلمت حالى مثله، فهلاّ راعيت مصلحتى. حينئذ انقطع الجبّائى وألزمه الأشعرى أن الله يخصّ من شاء برحمته ومن شاء بعقابه وأن أفعاله غير معلّلة (١).

وكان الخلاف واسعا بين بعض أصحاب المذاهب الفقهية، فكثرت المناظرات بينهم، وفى طبقات الشافعية للسبكى أطراف من هذه المناظرات، ومما يذكره أن أبا العباس بن سريج القاضى رئيس الشافعية ببغداد كان مشغوفا بمناظرة داود الظاهرى، حتى إذا توفى داود مضى يناظر ابنه محمدا فى المذهب الظاهرى، يقول: ولهما المناظرات المشهورة والمجالس المروية، ويحكى أن ابن داود قال لابن سريج يوما: أبلعنى ريقى، فقال له: أبلعتك نهر دجلة، وقال له يوما: أمهلنى ساعة، فقال له: أمهلتك من الساعة إلى قيام الساعة (٢). وبالمثل كان اللغويون والنحاة يتناظرون، وشائعة معروفة مناظرات المبرد مع ثعلب بدار محمد بن عبد الله بن طاهر حاكم بغداد فى مسائل اللغة والنحو (٣). وكان تلاميذ ثعلب يتعرضون أحيانا للمبرد فى محاضراته بالمسجد، فما يزال يناظرهم ويجادلهم ويجاورهم حتى ينزعهم من أستاذهم ثعلب ويلحقهم بتلامذته وحلقته (٤).

ومن المناظرات التى اشتهرت بأخرة من العصر مناظرة السيرافى ومتّى بن يونس المترجم المتفلسف فى مجلس الوزير الفضل بن جعفر بن الفرات لسنة ٣٢٠ وكان السيرافى من علماء النحو النابهين، وله كتاب كبير فى شرح كتاب سيبويه. وكان موضوع المناظرة النحو والمنطق أيهما أكثر نفعا فى معرفة صحيح الكلام من سقيمه. وقد روى المناظرة أبو حيان التوحيدى ونقلها عنه ياقوت فى معجمه (٥)، والطريف أنه يذكر فى فاتحتها من كان فى المجلس من العلماء والفضلاء، ويذكر


(١) طبقات الشافعية للسبكى ٣/ ٣٥٦ وما بعدها.
(٢) السبكى ٣/ ٢٣.
(٣) تاريخ بغداد ٥/ ٢٠٨ وإنباه الرواة ١/ ١٤١ ومعجم الأدباء ٥/ ١٣٧.
(٤) معجم الأدباء ١٩/ ١١٧.
(٥) معجم الأدباء ٨/ ١٩٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>