للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنهم كتبوا المناظرة فى ألواح وبمحابر كانت معهم، مما يعطى صورة عن مجلس المناظرات حينئذ. وتبدأ المناظرة بسؤال السيرافى لمتّى بن يونس عن المنطق ما يعنى به، حتى يكون كلامه معه فى قبول صوابه وردّ خطئه على سنن مرضىّ وطريقة معروفة، ويجيبه متى: أعنى به أنه آلة من الآلات يعرف بها صحيح الكلام من سقيمه وفاسد المعنى من صالحه كالميزان فإنه يعرف به الرجحان من النقصان والشائل من الجانح. ويقول السيرافى:

«أخطأت لأن صحيح الكلام من سقيمه يعرف بالعقل. هبك عرفت الراجح من الناقص من طريق الوزن من لك بمعرفة الموزون أهو حديد أو ذهب أو شبه (نحاس) أو رصاص؟ وأراك بعد معرفة الوزن فقيرا إلى معرفة جوهر الموزون وإلى معرفة قيمته وسائر صفاته التى يطول عدّها. فعلى هذا لم ينفعك الوزن الذى كان عليه اعتمادك، وفى تحقيقه كان اجتهادك، إلا نفعا يسيرا من وجه واحد، وبقيت عليك وجوه، فأنت كما قال الأول: «حفظت شيئا وضاعت منك أشياء» وبعد فقد ذهب عليك شئ ههنا، ليس كل ما فى الدنيا يوزن، بل فيها ما يوزن، وفيها ما يكال، وفيها ما يذرع (يقاس بالذراع) وفيها ما يمسح، وفيها ما يحزر. وهذا وإن كان هكذا فى الأجسام المرئية فإنه أيضا على ذلك فى المعقولات المقروءة، والإحساس ظلال العقول، وهى تحكيها بالتبعيد والتقريب مع الشبه المحفوظ والمماثلة الظاهرة. ودع هذا إذا كان المنطق وضعه رجل من يونان على لغة أهلها واصطلاحهم عليها وما يتعارفونه بها من رسومها وصفاتها من أين يلزم الترك والهند والفرس والعرب أن ينظروا فيه ويتخذوه حكما لهم وعليهم وقاضيا بينهم ما شهد له قبلوه وما أنكره رفضوه. قال متّى: إنما لزم ذلك لأن المنطق يبحث عن الأغراض المعقولة والمعانى المدركة ويتصفّح الخواطر السانحة والسوانح الهاجسة والناس فى المعقولات سواء، ألا ترى أن أربعة وأربعة ثمانية عند جميع الأمم؟ وكذلك ما أشبهه». قال السيرافى:

«لو كانت المطلوبات بالعقل والمذكورات باللفظ ترجع مع شعبها المختلفة وطرائقها المتبانية إلى هذه المرتبة البينة فى أربعة وأربعة أنهما ثمانية زال الاختلاف

<<  <  ج: ص:  >  >>