وحضر الاتفاق، ولكن ليس الأمر هكذا، ولقد موهت بهذا المثال، ولكم عادة فى مثل هذا التمويه، ولكن ندع هذا. إذا كانت الأغراض المعقولة والمعانى لا يوصل إليها إلا باللغة الجامعة للأسماء والأفعال والحروف أفليس قد لزمت الحاجة إلى معرفة اللغة؟ ».
ويناقش السيرافى متّى فى ترجمة المنطق من اليونانية إلى السريانية ثم إلى العربية وأنه ربما حدث حيف على المنطق فى أثناء هذا الطريق الطويل الذى سلكه إلى الفصحى، ويقول له: كأنك تقول لا حجة إلا عقول يونان ولا برهان إلا ما وصفوه.
ويقول متّى إنهم أصحاب عناية بالحكمة ولولاهم ما نشأت العلوم وأصحاب الصناعات. وهو تعميم أكثر مما ينبغى. ويحتدّ الجدال، ويسأله السيرافى عن حرف واحد من الحروف التى يهتمّ بها النحو يدور فى كلام العرب وهو حرف الواو ومعانيه المتميزّة عند النحاة، ويقول له استنبطها من ناحية منطق أرسططاليس الذى تدلّ به وتباهى بتفخيمه وعرّفنا ما أحكامه وكيف مواقعه وهل هو على وجه واحد أو وجوه. ويبهت متّى، ويقول: هذا نحو، والنحو لم أنظر فيه، لأنه لا حاجة بالمنطقى إلى النحو، أما النحوى فمحتاج إلى المنطق، لأن المنطق يبحث عن المعنى والنحو يبحث عن اللفظ، فإن مرّ المنطقى باللفظ فبالعرض وإن عبر النحوىّ بالمعنى فبالعرض، والمعنى أشرف من اللفظ، واللفظ أوضع من المعنى.
وينكر عليه السيرافى قوله ويحاول أن يثبت أن النحو يدور على المعانى ويسأله عن معانى الواو وكيف أنه يجهلها، وهى حرف واحد، فما باله لو سأله عن معانى جميع الحروف، ويصوّر له معانيها وأن المنطق الذى يزهى به متّى لا يستطيع بيانها.
ثم يعرض عليه قولهم:«زيد أفضل الإخوة»، ويسأله أيجوز أن يقال: زيد أفضل إخوته، ولا يستطيع متّى التفرقة بين العبارتين فيقول له إن العبارة الثانية لا تصح فى الكلام لأن إخوة زيد هم غير زيد، وزيدا خارج عن جملتهم، ويقحمه فى متشابكات نحوية وعبارات موهمة لا يحلها سوى النحو. ويعرض عليه طائفة من مصطلحات المناطقة والفلاسفة، ويقول له إن كل ذلك لا حاجة للعقل السليم به.
وفى الحق أن لسن السيرافى وفصاحته وقدرته على التعبير كل ذلك هو الذى أتاح له الظفر بخصمه فى تلك المناظرة الطويلة التى امتدت إلى أكثر من عشرين صحيفة،