للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لو تجمّلوا له ريثما يرجع إلى بيته كما خرج منه، ثم تمثل فيهم:

ومن يجعل المعروف فى غير أهله ... يلاق الذى لاقى مجير أمّ عامر (١)

ثم قال: صدق رسول الله وكان للصدق أهلا حين قال: لا تنفع الصنيعة إلا عند ذى حسب أو دين».

ويفيض هذا الكتاب كما تفيض مسوّدته: «المحاسن والأضداد» بكثير من أحوال العصور العربية السياسية والاقتصادية والحضارية، وخاصة العصر العباسى، ونرى البيهقى يفتح فيه-كما أشرنا إلى ذلك فى غير هذا الموضع-فصلا طويلا عن أصناف (٢) المكدين وأفعالهم وهو فيه ينقل عن الجاحظ وما كتبه عنهم فى مصنّفه البخلاء، وقد عرض فيه حيلهم وتجوالهم فى البلدان ونوادرهم، فمن ذلك (٣):

«أنه أتى سائل دارا يسأل منها، فأشرفت عليه امرأة من غرفة. فقال لها:

يا أمة الله بالله أن تصدّقى علىّ بشئ، قالت: أى شئ تريد؟ قال: درهما، قالت: ليس عندى، قال: فدانقا (جزءا من درهم)، قالت: ليس عندى، قال: ففلسا (جزءا من دانق)، قالت: ليس عندى، قال: فكسوة، قالت: ليس عندى، قال: فكفّا من دقيق، قالت: ليس عندى. قال:

فزيتا. . . حتى عدّ كل شئ يكون فى البيوت، وهى تقول ليس عندى، فقال لها: فما يجلسك عندك، مرى، اسألى معى».

وواضح أننا لا نعثر فى المادة الأدبية التى يحتويها هذا الكتاب وسالفه على شئ من السجع أو التكلف لألوان البديع أو لأى زخرف أو تنحيق، فهى مادة سهلة.

ليس فيها أى حليات لفظية ولا غير لفظية، وليس فيها أى صعوبات لغوية، وهى لذلك تعدّ مادة شعبية، أو قل إن الكتابين مصنفان كبيران من الأدب الشعبى فى العصر، وضعهما أديب ممتاز فى شكل مناظرات ومحاورات، حتى يشوّق إلى قراءتهما. ولم يكتف بهذا التشويق العام، فقد أدخل فى الأخبار والأقاصيص عناصر كثيرة منه تدفع العامة والخاصة إلى الشغف بقراءة الكتابين.


(١) أم عامر: الضبع.
(٢) المحاسن والمساوى ٢/ ٤١٣.
(٣) المحاسن والمساوى ٢/ ٤١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>