للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا ساق ولا يتناوله بيد ولا ينهض بقوة ويكره عليه إكراها، حتى ينبت عليه عظمه ودمه ولحمه. فإذا ارتفع من اللبن وقع فى المنزلة الثالثة فى الطعام بين أبوين يكتسبان عليه من حلال وحرام، فإن مات أبواه من غير شئ عطف عليه الناس، هذا يطعمه، وهذا يسقيه، وهذا يؤويه. فإذا وقع فى المنزلة الرابعة واشتدّ واستوى وكان رجلا خشى ألا يرزق، فيشب على الناس، فيخون أماناتهم، ويسرق أمتعتهم ويكاثرهم على (يغصبهم) أموالهم مخافة خذلان الله عزّ وجلّ إياه».

والنص موجود فى المحاسن والأضداد (١)، ولكن العبارة هنا نقحت وهذّبت بصور مختلفة، وكذلك النصوص الأخرى حين نعارض الكتابين فيها بعضهما على بعض نجد دائما هذا التنقيح، مما يشهد بأن يدا واحدة هى التى كتبتهما، وأن أولهما كان أشبه بمسوّدة واتخذ الثانى شكل نسخة مهذبة منقحة قد صفّيت وأخليت من كل الشوائب اللغوية وغير اللغوية، ودخلتها إضافات من الأمثال والأحاديث النبوية والأشعار والأخبار والأقاصيص، كهذه الأقصوصة التى تلقانا فى الحديث عن محاسن الولايات، وهى تمضى على هذا النمط (٢):

«دخل محمد بن واضح دار المأمون، وخلفه أكثر من خمسمائة راكب، كلهم راغب إليه وراهب منه، وهو إذ ذاك يلى عملا من أعمال السّواد (الأرض المزروعة) فى العراق. فدعا به المأمون فلما حضر بين يديه قال:

يا أمير المؤمنين أعفنى من عمل كذا وكذا، فإنه لا قوة لى عليه، فقال له المأمون:

قد أعفيتك. واستعفى من عمل آخر. وهو يظن أنه لا يعفيه. فأعفاه، حتى خرج من كل عمل فى يده فى أقل من ساعة، وهو قائم على قدميه. فخرج وما فى يده شئ من عمله، فقال المأمون لسالم الحوائجى: إذا خرج فانظر إلى موكبه وأحص من بقى معه-وكان المأمون قد رآه من مستشرف له حين أقبل-فخرج سالم وراء محمد بن واضح وقد استفاض الخبر بعزله عن عمله. فنظر فإذا هو لا يتبعه أحد إلا غلام له بغاشية (٣). فرجع سالم إلى المأمون فأخبره، فقال: ويلهم


(١) المحاسن والأضداد ص ١٢٨.
(٢) المحاسن والمساوى ١/ ٢٧٣.
(٣) غاشية: غطاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>