الواسع بكل ألوان الثقافات، وفى مقدمتها الثقافة اللغوية، ومرّ بنا كيف أن ابن قتيبة ألّف لهم فى ذلك كتابه «أدب الكاتب». ولا بد من إتقان الفقه لحاجة الكاتب إليه فى شئون الخراج، وأيضا لا بد من إتقان الحساب لنفس الغاية. وكانوا يكبّون خاصة على علوم التنجيم والمنطق والهندسة وعلى الفلسفة مما جعل ابن قتيبة يظنّ بهم الظنون وأنهم يغرقون إلى آذانهم فى علوم اليونان وفلسفتهم حتى ليفوتهم إتقان العربية. وتوفّروا على ما ترجم من الثقافة الهندية من الحكم والقصص وكذلك على ما ترجم من الثقافة الفارسية مما يتصل بتقاليد الساسانيين وأنظمة الحكم وآداب السياسة وأخبار ملوكهم ووزرائهم. فكل ذلك كانوا يعكفون عليه ويتزوّدون به، حتى يستمدوا منه فى معانيهم ومنطقهم. وكانوا يلتزمون الوضوح لأن رسائلهم توجّه إلى العامة ولا بد أن تفهم ما تسمع دون حاجة إلى شرح أو بيان. كما كانوا يلتزمون فيها شيئا من التنميق حتى تنال استحسان من يكتبون عنه من الخلفاء والوزراء والولاة والأمراء والقواد. وكانت الرسائل تتناول جميع شئون الدولة من منشورات تتصل بأهل الذمة أو الرعية ومن ولاية عهود أو بيعة لخليفة أو خلع أو دعوة إلى الجهاد فى سبيل الله أو تولية وزير أو وال أو تنويه بموسم حج أو عيد أو أخبار الولايات أو أمر بمعاقبة بعض الجناة. وتفنّنوا فى المقدمات وخاصة فى التحميدات وما اتصل منها برسالة الخميس التى كانت تكتب إلى الولايات حين يستولى خليفة على مقاليد الحكم.
ونحن نعرض طائفة من الكتاب مرتّبين على عهود الخلفاء لنتبين من خلال كتاباتهم روعة بيانهم من جهة وما حدث من تطور فى الكتابة الديوانية وأساليبها فى العصر. ومعروف أن أول كاتب نابه يلقانا فى العصر هو إبراهيم بن العباس الصولى الذى حرّر أكثر ما صدر عن المتوكل من منشورات وكتب ورسائل فى الفتوح، ولن نقف عنده لأننا سنخصه بحديث مفصل فى الفصل التالى. ومن كتّاب المتوكل عبيد الله بن يحيى بن خاقان الذى استكتبه سنة ٢٣٦. ثم جعله وزيره وللبحترى فيه مدائح مختلفة، وقد احتفظ له الطبرى برسالة كتب بها عن الخليفة إلى محمد بن عبد الله بن طاهر حاكم بغداد يأمره بضرب رجل ألف سوط لما صحّ من شهادة شهود كثيرين عليه بشتمه لأبى بكر وعمر والسيدة عائشة والسيدة