للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حفصة زوجى الرسول، والرسالة تخلو من السجع ومحاولة التنميق (١).

ويدخل عصر المنتصر، ويستوزر أحمد بن الخصيب، وكان كاتبا أديبا، مما جعله يعهد إليه بكتابة الكتب التى تصدر عنه، وكان من أوائلها كتاب فى الجهاد كتبه لسبع ليال خلون من المحرم سنة ثمان وأربعين ومائتين حين اتّجه وصيف إلى الغزو فى أرض الروم، وفيه يقول (٢):

«قال عزّ وجلّ آمرا بالجهاد مفترضا له: {(اِنْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)}. وليست تمضى بالمجاهد فى سبيل الله حال لا يكابد فى الله نصبا ولا أذى، ولا ينفق نفقة ولا يقارع عدوّا، ولا يقطع بلدا، ولا يطأ أرضا، إلا وله بذلك أمر مكتوب وثواب جزيل وأجر مأمول. قال الله عزّ وجلّ: {(ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ (٣)} فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفّارَ وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلاّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ إِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً إِلاّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ). . وليس من شئ يتقرّب به المؤمنون إلى الله عزّ وجلّ من أعمالهم، ويسعون به فى حطّ أوزارهم وفكاك رقابهم، ويستوجبون به الثواب من ربهم إلا والجهاد عنده أعظم منه منزلة، وأعلى لديه رتبة، وأولى بالفوز فى العاجلة والآجلة، لأن أهله بذلوا لله أنفسهم، لتكون كلمة الله هى العليا، وسمحوا بها دون من وراءهم من إخوانهم وحريم المسلمين وبيضتهم ووقموا (قسعوا) بجهادهم العدو».

وصياغة الكتاب جزلة رصينة، وفيها محاولة واضحة للدقة فى التعبير وأن يروق السمع والذهن، ولكن لا بسجع. وإنما بعبارات متوازنة متقابلة. مما يشهد لابن الخصيب بأنه كان كاتبا مجيدا. واحتفظ الطبرى له بكتاب ثان خلع فيه المنتصر أخويه المعتز والمؤيد (٤)، نحا فيه منحى الكتاب السابق فى الصياغة.

ويتولى المستعين الخلافة، ويتخذ سعيد بن حميد أحد الكتاب البلغاء على


(١) طبرى ٩/ ٢٠٠.
(٢) طبرى ٩/ ٢٤١.
(٣) مخمصة: جوع شديد.
(٤) طبرى ٩/ ٢٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>