للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ديوان رسائله، وسنخصّه بحديث مستقل فى الفصل التالى. وسرعان ما يتولّى المعتز الخلافة، ويستوزر أحمد بن إسرائيل، ويقول الفخرى إنه أحد الكتاب الحذّاق الأذكياء (١). وكان من كبار ولاته وأقربهم إلى نفسه محمد بن عبد الله بن طاهر حاكم بغداد، وكان أديبا بارعا، وفى الطبرى رسالة له وجّه بها إلى عمّال النواحى حين أعطاهم المعتز الحق فى التنكيل بأعدائه، وهى تمتلئ وعيدا وتهديدا على هذا النمط (٢):

«أما بعد فإن زيغ الهوى صدف بكم عن حزم الرأى، فأقحمكم حبائل الخطأ، ولو ملّكتم الحق عليكم وحكمتم به فيكم لأوردكم البصيرة ونفى غيابة (٣) الحيرة، والآن فإن تجنحوا للسّلم تحقنوا دماءكم وترغدوا عيشكم ويصفح أمير المؤمنين عن جريرة جارمكم (٤)، ويسبغ النعمة عليكم، وإن مضيتم على غلوائكم وسوّل لكم الأمل أسوأ أعمالكم فأذنوا بحرب من الله ورسوله بعد نبذ المعذرة إليكم وإقامة الحجة عليكم. ولئن شنّت الغارات وشبّ ضرام (٥) الحرب، ودارت رحاها على قطبها وحسمت (٦) الصوارم أوصال حماتها، واستجرّت (٧) العوالى من نهمها. ودعيت نزال (٨)، والتحم الأبطال، وكلحت (٩) الحرب عن أنيابها أشداقها، وألقت للتجرّد عنها قناعها. واختلفت أعناق الخيل، وزحف أهل النجدة إلى أهل البغى لتعلمنّ أىّ الفريقين أسمح بالموت نفسا، وأشدّ عند اللقاء بطشا، ولات حين معذرة، ولا قبول فدية، وقد أعذر من أنذر {(وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ)»}.

وصياغة الرسالة صياغة مضبوطة محكمة، ويكثر فيها التقابل بين العبارات ويكثر التفاصح واستخدام كلمات القرآن الكريم وبعض آيه مثل: {(وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ)} ومثل: {(فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ)} و {(وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ.)} مما يدل على تمكن الكاتب من العربية والثقافة الإسلامية القرآنية. وقد استخدم كلمة:


(١) الفخرى ص ١٨٢.
(٢) طبرى ٩/ ٣٦٧.
(٣) غيابة: غشاوة.
(٤) جريرة جارمكم: جريمة مذنبكم
(٥) ضرام: وقود.
(٦) حسمت: قطعت.
(٧) استجرت: اجترت.
(٨) دعيت نزال: كناية عن احتلام اضرب.
(٩) كلحت: كثرت.

<<  <  ج: ص:  >  >>