للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«واستجرت» بدلا من كلمة: «واجترت» دلالة على قدرته فى القياس والتصريف، وأتى بأمثال مختلفة مثل: «ودعيت نزال» وهو مثل يضرب لاحتدام الحرب، ومثل: «من أعذر فقد أنذر». وشئ أهم من ذلك كله واضح فى الرسالة وضوحا بيّنا، وهو كثرة الصور فيها مثل غيابة الحيرة وإسباغ النعمة وضرام الحرب و «دارت رحاها على قطبها، وحسمت الصوارم أوصال حماتها واستجرّت العوالى من نهمها. . . وكلحت الحرب عن أنيابها أشداقها وألقت للتجرد عنها قناعها».

صور متراكمة. قصد إليها الكاتب قصدا ليدل على براعته الفنية، وأنه ليس الشعر وحده الذى يستطيع أن يحمل حشود الصور، فالنثر بدوره يمكن أن يحمل منها ما يحمل الشعر، بل يمكن أن يزداد حمله وأن يصبح صورا خالصة يأخذ بعضها بزمام بعض.

ويخلف المعتز المهتدى، وهو أعظم خلفاء العصر سيرة حميدة وتقوى وورعا وعبادة، وكان كما مرّ بنا يخطب فى الناس كل جمعة يعظهم ويذكرهم الآخرة.

وكان يعمل فى دواوينه سعيد بن عبد الملك، ويقول صاحب الفهرست: البلغاء الحديثون ثلاثة: الحسن بن وهب وإبراهيم بن العباس الصولى وسعيد بن عبد الملك (١)، وله كتاب فى التنويه بخليفة وخطابته فى عيد الفطر. ولا نرتاب فى أنه يريد المهتدى، لأن من وليه من خلفاء القرن الثالث كانوا يندبون عنهم من يخطب يوم الجمع، ومرّ بنا ما أصاب المعتضد من حصر حينما حاول الخطابة فى أحد الأعياد، فالمهتدى المقصود بتلك الرسالة، وفيها يقول (٢):

«أدام الله صلاح الأمة ولا أخلاها من بركة رعايته، ومن ولايته وسياسته، ولا زالت فى كنف السلامة بسلامته، وظلّ العافية بعافيته، وعلى سبيل نجاة هدايته.

وقد كتبت إلى أمير المؤمنين فيما وليه الله به فى مخرجه إلى عيده من يوم فطره وما وفّقه له من التقرب إليه بوسائل التذلل فى طاعته والاجتهاد فى شكره والمناصحة فى مخاطبة من حضره وإنصاتهم لوعظه وتذكيره، وما وليه الله به من العافية والسلامة الشاملة، والنعمة الكاملة، والعز الموصول بالسكينة. . . منّا من الله خصّ به


(١) الفهرست ص ١٨٨.
(٢) جمهرة رسائل العرب لأحمد زكى صفوت ٤/ ٣٠٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>