للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خليفته وأعطاه فضل مزيّته بما وفّقه له من العدل والنّصفة، والبر والمرحمه، والعطف والرأفة».

وفى هذه الفقرة ما يصوّر كيف أخذ كتّاب الرسائل الديوانية منذ أواسط القرن الثالث الهجرى يصطنعون السجع فى جوانب من رسائلهم على نحو ما نرى الآن عند سعيد بن عبد الملك، وحقّا أخذ السجع يدخل فى الرسائل الشخصية منذ القرن الثانى كما صوّر ذلك كتابنا العصر العباسى الأول على نحو ما يلقانا فى رسالة ابن سيابة المشهورة. ولكن الرسائل الديوانية ظلت تكتب بأسلوب مرسل، يشيع فيه أحيانا الازدواج، أما السجع فيندر أن نلتقى به فى تلك الرسائل، وكأن الأذواق أخذت تستعد لشيوعه وانتشاره فى الكتابة الديوانية لهذا العصر.

ويخلف المهتدى المعتمد. ويظل وزيرا له، كما كان وزيرا لسابقه، سليمان بن وهب، ويقول الفخرى (١) عنه: أحد كتّاب الدنيا ورؤسائها فضلا وأدبا وكتابة وأحد عقلاء العالم وذوى الرأى منهم، ويروى عنه أنه كان يكتب، فى أول عهده بالعمل، بدواوين الدولة بين يدى محمد بن يزداد وزير المأمون. وكان إذا انصرف فى الليل إلى داره ناب عنه فى دار المأمون أحد الكتاب الصغار بالنوبة لمهمّ عساه يعرض فى الليل. يقول سليمان: وبينما أنا نائب عنه فى إحدى الليالى إذ طلبنى المأمون. فقال لى: اعمل نسخة فى المعنى الفلانى، ووسّع بين سطورها وأحضرها لأصلح منها ما أريد إصلاحه، فخرجت سريعا وكتبت الكتاب وبيّضته وأحضرته إليه.

فلما رآنى قال: كتبت مسوّدة؟ قلت: بل كتبت الكتاب، فقال: بيّضته؟ قلت: نعم، فزاد فى نظره إلىّ كالمتعجب منى. فلما قرأه تبينت الاستحسان على وجهه. وقال: يا صبىّ لا أدرى من أى شئ أعجب أمن سرعة فهمك أم من من حسن خطّك. بارك الله فيك. ونعجب أن يظل سليمان بن وهب يعمل فى الدواوين ويكتب رسائل ديوانيه مختلفة حتى عصر المعتمد ومع ذلك لا تحتفظ له كتب الأدب برسالة واحدة من تلك الرسائل، وحتى رسائله الشخصية لم تحتفظ منها إلا بما كتبه شعرا على نحو ما يلاحظ قارئ ترجمته فى الأغانى. وإلا فقرة نثرية من كتاب اعتذار على هذا النحو (٢):


(١) الفخرى ص ١٨٣.
(٢) جمهرة رسائل العرب لأحمد زكى صفوت ٤/ ٣٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>