للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى بغداد. ويبدو أن إبراهيم أراد الالتحاق بأخيه وابن عمه وعملهما، فرحل إليهما، وتصادف حين وصوله أن كان المأمون قد عهد بالخلافة من بعده إلى على بن موسى الرّضا. ويمدح إبراهيم ولى العهد الجديد، ويهبه عشرة آلاف درهم من دراهم كانت ضربت باسمه، ويقال إنه احتفظ بها وجعل منها مهور نسائه، وأبقى بعضها لكفنه فيما بعد وجهازه إلى قبره (١). وألحقه الفضل بن سهل بدواوينه، ومن حينئذ ظلّ يعمل فى الدواوين إلى أن توفى سنة ٢٤٣ وهو على ديوان النفقات والضياع للمتوكل، ويقول صاحب الفهرست: «كان إليه ديوان الرسائل فى مدة جماعة من الخلفاء» (٢).

وقد ترك الدواوين مدة قصيرة لعهد الواثق جرّت عليه بلاء عظيما، ذلك أن ابن الزيات الوزير-وكان صديقا له-ولاّه على معونة الأهواز وخراجها، ثم تنكّر له، فوجّه إليه بمحاسب كبير يسمى أبا الجهم ليكشفه، فتحامل عليه تحاملا شديدا، وقال إن أموالا كثيرة لم تؤدّ إلى بيت الخراج، وغضب ابن الزيات، وأمر بعزله واعتقاله فى ولايته. وكانت محنة كبيرة لإبراهيم لم يبل فيها صديقه ابن الزيات وحده، بل بلا فيها كثيرا من الأصدقاء ومن كانوا يظهرون له المودة، إذ قلبت له منهم جماعة ظهر المجنّ مثل أحمد بن المدبر، الذى كان يوغر صدر ابن الزيات عليه ويحثه على محاسبة عمّاله واستخراج الأموال منهم، مما جعله يزهد فيما بعد فى صحبة الإخوان والرفقاء وكان إذا سئل فى ذلك قال: «ما مثل الإخوان إلا كمثل النار قليلها مقنع وكثيرها محرق أو قليلها متاع وكثيرها بوار». ولعل ذلك ما جعله ينظم أشعارا كثيرة فى الصداقة والصديق، كأنما يريد أن يرسم واجباتها ومسئولياتها. ولم يعدم بعض الإخوان الذين كانوا يشفعون له عند ابن الزيات وهو ماض فى النكاية به، وقد كتب إليه شعرا ونثرا كثيرا يستعطفه، ومن أطرف ما كتب له هذه الرسالة (٣):

«كتبت إليك وقد بلغت المدية المحزّ، وعدت الأيام بك علىّ بعد عدوى بك عليها، وكان أسوأ ظنى وأكثر خوفى أن تسكن فى وقت حركتها،


(١) الأغانى ١٠/ ٥٢.
(٢) الفهرست ص ١٨٢.
(٣) الأغانى ١٠/ ٥٦ ومعجم الأدباء ١/ ١٧٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>