للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتكفّ عند أذاها، فصرت علىّ أضرّ منها، وكفّ الصديق عن نصرتى وبادر إلىّ العدوّ تقرّبا إليك. وكتب تحت ذلك:

أخ بينى وبين الدّه‍ ... ر صاحب أيّنا غلبا

صديقى ما استقام فإن ... نبا دهر علىّ نبا

وثبت على الزمان به ... فعاد به وقد وثبا

ولو عاد الزمان لنا ... لعاد به أخا حدبا»

والرسالة توضّح شخصيته الأدبية فهو كاتب شاعر، ويقول المسعودى: «كان كاتبا بليغا وشاعرا مجيدا، لا يعلم فيمن تقدم وتأخر من الكتّاب أشعر منه» (١).

ويقول ابن الجرّاح فى كتابه الورقة: «أشعر نظرائه الكتّاب وأرقهم لسانا، وأشعاره قصار ثلاثة أبيات ونحوها إلى العشرة، وهو أنعت الناس للزمان وأهله غير مدافع» (٢) ويقول أبو الفرج الأصبهانى: «كان يقول الشعر ثم يختاره، ويسقط رذله، ثم يسقط الوسط، ثم يسقط ما سبق إليه، فلا يدع من القصيدة إلا اليسير، وربما لم يدع منها إلا بيتا أو بيتين» (٣). وشعره مقطوعات حقّا، ولكنها مقطوعات ترقى إلى مرتبة رفيعة فى البلاغة، مثلها مثل هذه الرسالة القصيرة التى كتب بها لابن الزيات راجيا أن يخلصه من محنته، فكل كلمة فيها قد اختارها ذوق أدبى مصفّى، وكل عبارة قد أحكمت، أحكمتها يد صناع، فالمدية قد بلغت المحز كناية عن بلوغ المحنة الحد الأقصى، والأيام تعدو بابن الزيات عليه بعد أن كان يعدو به عليها، لقد كان ينتصر به عليها، فإذا هى تقهره به، وما أدق قوله له فى رسالة أخرى (٤):

وكنت أعدّك للنائبات ... فها أنا أطلب منك الأمانا

فناصره أصبح قاهره. ويتوالى الطباق فى الرسالة، فالسكون يقابل الحركة والكف يقابل المبادرة والصديق يقابل العدو. وظل ابن الزيات لا يعفو عنه، حتى بلغ منه كل مكروه، ثم عرف الواثق تحامله عليه وأنه مظلوم فيما نسبه إليه


(١) مروج الذهب ٤/ ٢٣.
(٢) كتاب الورقة ص ١٣٦.
(٣) الأغانى ١٠/ ٤٣.
(٤) الأغانى ١٠/ ٥٧ ومعجم الأدباء ١/ ١٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>