المعصية من لبنها وأطمعتهم باسطة لهم فى الأمانى العذاب، وأسرعت بهم مخاطرها. وكل تلك صور متلاصقة. ثم يسوق عبارة كأنها مثل من الأمثال، إذ يقول. انقضى رضاع وآن فطام. والكناية واضحة. وعاد إلى التصوير، وكأنما يريد أن يرسم لوحة ذات خطوط وظلال وأضواء. ويعود إلى الطباق، فيضع الرضاع مع الفطام والمر مع الحلو والذل مع العز والترحة مع الفرحة والحسرة مع المسرة. ثم يعود ثالثة إلى التصوير، وكأنما الفتنة جحيم يتأجج باللهب، وتعمّ حتى لتأخذ بمخنّق كل شخص، وحتى تجعله فى دنياه جزرا وقطعا من اللحم تنوشها السباع، أما فى الآخرة فتجعله حطبا ووقودا للنار. ويختم الفقرة بآى من القرآن. والطباق اللون البديعى العقلى الذى كان يروع العباسيين يكثر فيها، كما يكثر التصوير، وكأن إبراهيم بن العباس يريد أن يثبت إبداعه باستخدام فنون البديع التى كانت تخلب معاصريه، فهو يبدؤها بالتقسيم، وهو يشيع فيها الجناس كما يشيع الطباق على نحو ما يتضح فى مثل: معقل وعقال وآجال وآمال، وفرحة وترحة وأسرا وقسرا وعاجل وآجل. ومضى يوغل فى الموازنة بين عباراته، وإذا هو لا يكتفى بما قد يحدث فيها من تقطيعات صوتية، إذ يطلب ازديادا فى التلاؤم وفى الجرس، فليس يكفى أن تتقابل العبارات وتتوازن، بل يحسن أن تلتحم نغماتها وإزناناتها، فإذا هو يكثر من السجع وترصيفه. واحتفظت كتب الأدب بتحميده لهذه الرسالة، وهو يمضى فيه على هذا النحو (١):
«الحمد لله معزّ الحق ومديله (ناصره) وقامع الباطل ومزيله، الطالب فلا يفوته من طلب، والغالب فلا يعجزه من غلب، مؤيد خليفته وعبده، وناصر أوليائه وحزبه، الذين أقام بهم دعوته، وأعلى بهم كلمته، وأظهر بهم دينه، وأدال بهم حقّه، وجاهد بهم أعداءه، وأنار بهم سبيله، حمدا يتقبّله ويرضاه، ويوجب أفضل عواقب نصره، وسوابغ نعمائه».
والتحميد يحمل نفس الخصائص المبثوثة فى الرسالة، وفيه اتجاه واضح نحو السجع وأن الكاتب يريد أن يلذّ كلامه الأسماع والآذان، كما يلذّ العقول والأذهان، بملا أماته بين الكلمة والكلمة فى الجرس، وبما يستخدم من طباقات