برهانهم، وأوضح بها دليلهم، وأثابهم عمل سواهم ليكون أدعى لهم إلى تصديقهم والقبول عنهم، وأوكد للحجة على من أبى ذلك منهم».
والتحميد يدور على موضوعين أساسيين هما: نعم الله وآلاؤه على الناس إذ بسط لهم الأسباب فى الهدى والرشاد، ونعمه أيضا وآلاؤه إذ أرسل لهم الرسل مبشرين ومنذرين. ونراه فى مستهل تحميده يشير إلى تنزيه الله عن شبه خلقه، وهو أصل من الأصول الأساسية عند المعتزلة، فهو منزه عن التحيز فى جوهر وعرض، لا يدركه حسّ ولا يحيط به خيال، منزه عن كل شبه بالآدميين فى خلقهم وصفاتهم. وليس من الضرورى أن يكون من المعتزلة، فيكفى أن يكون على صلة بمباحثهم، وهو ما نريد إثباته، فالتحميد كله كأنما كتبه اعتزالى كبير إذ كانوا يتكلمون كثيرا عن تنزيه الله فى صفاته وذاته وإبداعه للكون وللإنسان بما يشهد بعظمته وقدرته. وكانوا يستمدون ذلك كله من القرآن وما دعا إليه من التأمل فى النظام الكونى وما بثّ الله فيه من آيات تدل على وحدانيته وقدرته الباهرة. ويصوّر القرآن كما فى آيات خلق الإنسان التى اقتبسها الصولى كيف أنشأ الله الخلق إنشاء بديعا وكيف أودع فيهم من ملكات السمع والبصر والأفئدة ما يحقق لهم جميع حاجاتهم وكمالاتهم، وإنه لحرى بهم أن يستغلوا هذه الملكات ليستقر فى نفوسهم الإيمان بالكائن الأعلى. ويبثّ الصولى هذه الفكرة فى الشطر الأول من تحميده.
ويخرج منها إلى الفكرة التى طالما كررها المعتزلة فكرة أنه كان من رحمة الله بالناس أن أرسل إليهم الرسل ليهدوهم إلى طريق الحق والخير، إذ لم يخلقهم عبثا ولا دون غاية سامية، فقد خلقهم ليتّبعوا هداه، وليقع الأمر والنهى عليهم، فكان لا بد لهم من رسل يوضحون لهم سبل الهدى، حتى يعرفوا العمل الصالح وما ينتظرهم فى الآخرة من ثواب وعقاب، مبينين لهم السنن والشرائع التى تكفل لهم السعادة فى الدارين، وكيف أن من يجور عن الطريق يحق عليه العذاب إلا من تاب وأناب فإن الله غفور رحيم. وقد صاغ إبراهيم بن العباس هذه المعانى فى ألفاظه جزلة رصينة، يجرى فيها التقطيع الصوتى الذى ذكرناه آنفا، وإن لم يبلغ مداه فى الرسالة السابقة، إذ لم يتحول به إلى إرنانات السجع التى شاعت فيها، وكأنما كان مشغولا هنا عن السجع بالمعانى التى أثارها فى تحميده والتى جعلته يتمثل ببعض