للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سنّة الله فيما أزاله وأداله (هزمه) {(وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً)} ولا عن قضائه تحويلا».

والقطعة سجع خالص، وتحمل اقتباسات من آى القرآن، وكلماتها منتخبة انتخبها ذوق مرهف، وتجرى فيها الخصائص التى ذكرنا لإبراهيم بن العباس، ففيها الازدواج والتكرار فى مثل: «زخرف باطلهم وتمويه كذبهم»، ومثل «أزاله وأداله»، وفى الكلمة الأخيرة جناس ناقص. وتلقانا بعض طباقات مثل: «ولا مورد ولا صدر» ومثل «عواقب الحق وخواتم الباطل» ونعثر على بعض صور مثل زخرف الباطل وتمويه الكذب ومثل تشبيه زخرف الباطل بالسراب. وكأنه كان فى نثره مثل شعره وما وصفه به أبو الفرج، كما مر بنا، يكتب ثم يختار، وما يزال يصلح ويسقط حتى تخرج الرسالة نخبة من الصياغات الأدبية الطريفة. وله توقيعات بديعة تدور فى الكتب الأدبية، فمن ذلك أن بعض الكتاب كتب إليه يذم شخصا ويمدح آخر، فوقّع فى الرسالة (١):

«إذا كان للمحسن من الجزاء ما يقنعه، وللمسئ من النكال ما يقمعه، بذل المحسن الواجب على رغبة، وانقاد المسئ للحق رهبة».

والسجع واضح فى التوقيع، ولكن المهم طرافة التقسيم. ويقول المسعودى:

«ولإبراهيم بن العباس مكاتبات قد دونت، وفصول حسان من كلامه قد جمعت».

ويروى عنه أنه كان يقول: «مثل أصحاب السلطان مثل قوم علوا جبلا ثم وقعوا منه، فكان أقربهم إلى التلف أبعدهم فى الارتقاء» (٢). ويذكر ياقوت له ديوان شعر وديوان رسائل، وفى الحق أنه كان كاتبا بليغا بلاغة رائعة.


(١) جمهرة رسائل العرب ٤/ ٤٦١.
(٢) مروج الذهب ٤/ ٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>