للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والإدارية، وأمن الناس على نفوسهم، وظهور النعم عليهم وأنهم لا يعانون البؤس والضنك فى الحياة. ويكتب باسم المتوكل وأبنائه تعزيات مختلفة، من ذلك تعزية باسمه إلى طاهر بن عبد الله واليه على خراسان، وفيها يقول (١):

«أما بعد فإن أحقّ من أرضى الله فى نعمته بشكره وفى مصائبه بالتسليم له، من فهم ما فى شكر النعم من استدعاء تمامها، وما فى التذلل للمقادير من استحقاق رضوانه، وقد جعل الله محلّك من الحالتين جميعا محل المتقدم بنيّته ومعرفته. والله يمتع أمير المؤمنين فيك بصالح قسمه فيمن مضى، والجارى على من بقى ويبقى، حتى يؤدّى الفناء الذى لا بقاء معه إلى البقاء الذى لا فناء بعده. وأمير المؤمنين يعظك بالله، وهو أحق من وعظ به، ويرشدك من إيثار الله لما ندبك له منه. . . فقدّم حق الله عليك بطاعتك له فيما أمرك به، واتّق الله فى مواقع أقداره بك، تقتض بذلك من ثواب الله أفضل عوض الصالحين».

والرسالة تحمل طائفة من دقائق المعانى، فواجب الإنسان إزاء ربه شكره على نعمه واستسلامه لما ينزل به قضاؤه فإنه بذلك يستحق رضوانه. والله يمتع أمير المؤمنين به حتى يطوف به طائف الفناء الذى لا بقاء معه، والذى ينتقل به إلى البقاء الذى لا فناء بعده. ويقول له: قدّم حق الله عليك بالطاعة له والرضا بقدره، وبذلك تستحق ثوابه، هو خير عوض للراضين المقرّبين. وفى كتب الأدب قطع مختارة لإبراهيم ابن العباس تزخر بالسجع، ويبدو أنه كان يستخدمه أحيانا فى جوانب من رسائله مسهبا فيه، على نحو ما نرى فى القطعة التالية التى احتفظ بها ياقوت فى معجم الأدباء إذ يقول: (٢)

«ووجد أعداء الله زخرف باطلهم، وتمويه كذبهم سرابا بقيعة {(يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً)} وكوميض برق عرض فأسرع، ولمع فأطمع، حتى إذا انحسرت (انكشفت) مغاربه، وتشعّبت مولّية مذاهبه، وأيقن راجيه وطالبه، أن لا ملاذ ولا وزر، ولا مورد ولا صدر (صدور) ولا من الحرب مفرّ، هنالك ظهرت عواقب الحق منجية، وخواتم الباطل مردية،


(١) جمهرة رسائل العرب ص ١٨٢.
(٢) معجم الأدباء ١/ ١٩٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>