للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يصور مرانا طويلا على استخدام الكلام ووضعه فى مواضعه، بل قل إنه يصوّر خبرة طويلة امتدت عشرات السنين. ومن طراز هذه الرسالة رسالة أكثر منها قصرا كتب بها فى شفاعة إلى أحد أصدقائه يزكّى رجلا يستحق العناية به (١):

«فلان ممن يزكو (ينمو) شكره، ويحسن ذكره، ويعنينى أمره، والصنيعة عنده واقعة موقعها، وسالكة طريقها:

وأفضل ما يأتيه ذو الدّين والحجى ... إصابة شكر لم يضع معه أجر»

والرسالة موجزة ولكنها تؤدّى الغرض منها أداء واضحا، وقد استخدم فيها إبراهيم بن العباس السجع، وبلغ من شدة تدقيقه فى المعنى أن أخرج البيت الذى ضمّنه الرسالة مخرج الأمثال. وكان كتّاب الرسائل يكتبون فى عيدى الفطر والأضحى رسائل إلى الرعية يبشرونهم فيها بسلامة الخلفاء، وقد يوجهونها إلى حكام الولايات ليحمدوا الله على سلامة الخليفة ويذكّروهم واجبهم، من ذلك قوله فى رسالة (٢):

«أما بعد فإن لكل فرع أصلا، عنه مورده ومستنبطه، وإليه مرجعه وموئله، ومتى رجع من أصول الأمور إلى تأثلها (تأصّلها) وتمكّنها، رجع من فروعها إلى استتبابها واستقامتها. وأفضل ما تدبّره أمور دين الله وخلافته، وحقوق الله وعباده. فكان الأصل وزكاؤه (نماؤه) ما جمع بإذن الله سكون الدّهماء (العامة) وصلاح البيضة (الولاية) وأمن السّرب (الجماعة) وتظاهر النّعم فيما قرب وبعد، ودنا ونأى. . . فافعل ذاك معانا على أمرك».

والترادف والازدواج واضحان فى السطور الأولى من الرسالة، فمورده يليها مستنبطه بنفس المعنى، وبالمثل مرجعه تليها موئله، وتأثلها يليها تمكنها، واستتبابها يليها استقامتها. وفى ذلك حرص واضح على إرضاء الأذن، وفى كلامه عن الأصول والفروع ما قد يشير إلى أنه كان مثقفا ثقافة فقهية، وقد جمع الأصول الدالة على حسن الحكم وتدبيره فى أربعة: سكون الناس دون إحداث أى فتن أو ثغرات مما يدل على رضاهم عن حاكمهم، وصلاح الولاية فى شئونها السياسية والاقتصادية


(١) الأغانى ١٠/ ٥٣ ومعجم الأدباء ١/ ١٧٨.
(٢) جمهرة رسائل العرب ٤/ ١٨٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>