للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يساق الغمام الغرّ من كل بلدة ... إليك فأضحى حول بيتك نازلا

فإن أنت تهلك يهلك الباع والنّدى ... وتضحى قلوص الحمد جر باء حائلا (١)

فلا ملك ما يبلغنّك سعيه ... ولا سوقة ما يمدحنّك باطلا

وانتهى هذا الفن من فنون شعرهم إلى الأعشى فأصبح حرفة خالصة للمنالة والتكسب. إذ لم يترك ملكا ولا سيدا مشهورا فى أنحاء الجزيرة إلا قصده ومدحه وفخّم شأنه معرضا بالسؤال.

وإذا تركنا المديح إلى الغزل وجدناه موزعا بين ذكريات الشاعر لشبابه ووصفه للمرأة ومعروف أن أول صورة تلقانا فى قصائدهم هى بكاء الديار القديمة التى رحلوا عنها وتركوا فيها ذكريات شبابهم الأولى، وهو بكاء يفيض بالحنين الرائع، ومر بنا أنهم يردونه إلى شاعر قديم سبق امرأ القيس هو ابن خذام، وربما كان فى ذلك ما يدل على أن هذا الجزء من غزلهم يسبق فى قدمه الأجزاء الأخرى فيه.

ونراهم يقفون عند المرأة فيصفون جسدها، ولا يكادون يتركون شيئا فيها دون وصف له. إذ يتعرضون لجبينها وخدها وعنقها وصدرها وعينها وفمها وريقها ومعصمها وساقها وثديها وشعرها. كما يتعرضون لثيابها وزينتها وحليها وطيبها وحيائها وعفتها (٢).

وقد يتعرضون لبعض مغامراتهم معها. وهى مغامرات تحوّل بها بعض الرواة إلى قصص غرامية على نحو ما قصوا عن حب المرقش الأكبر لأسماء والأصغر لفاطمة بنت المنذر وعن حب المنخّل اليشكرى للمتجردة زوج النعمان، وله قصيدة رائعة رواها الأصمعى وهى تجرى على هذا النمط (٣):

ولقد دخلت على الفتا ... ة الخدر فى اليوم المطير

الكاعب الحسناء تر ... فل فى الدّمقس وفى الحرير

فدفعتها فتدافعت ... مشى القطاة إلى الغدير


(١) الباع: الشرف، الندى: الكرم. القلوص: الناقة الشابة. الحائل: التى حمل عليها فلم تلقح.
(٢) المفضليات رقم ٢٠.
(٣) الأصمعيات رقم ١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>