للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أرين محاسنا وكننّ أخرى ... من الأجياد والبشر المصون

ويقول إنهن كن يمددن أعناقهن مستشرفات للنظر وصاحبته بينهن تفوقهن حسنا وجمالا. وكن كطبيعة النساء فى كل عصر ينصرفن عن الشّيب ومن قلّ ماله (١).

ولذلك كثر عتابهم معهن، وخاصة من حيث ما يأخذنه عليهم من البذل الذى يذهب بأموالهم، ودائما نراهم يحتجون عليهن بأن خلود المرء فى بذله لا فى ثرائه (٢). وقد يصورون فى تعلقهم بالمرأة ضربا من المتاع الحسى، على نحو ما يصور ذلك طرفة فى معلقته وكذلك امرؤ القيس، ومرد ذلك إلى ضرب شاع عندهم من الفتوة، فهم يتمدحون بأنهم يغالون من المرأة ما يريدون، وكانوا وثنيين ولم يكن هناك دين يردعهم. على أن منهم من كان يتسامى فى غزله حتى ليمكن القول بأن الغزل العذرى له أصول فى الجاهلية عند عنترة وأضرابه.

ومن المؤكد أن المرأة الحرة لم تكن ممتهنة عندهم، بل كانت فى المكان المصون، وكان الشاعر يستلهمها شعره، ولذلك كان يضعها فى صدر قصيده، ونحس عند كثيرين منهم، وخاصة فرسانهم من مثل عنترة، أنهم يقدمون مغامراتهم فى الكرم وفى الحرب لها لينالوا حبها، وكان أكثر ما يشجيهم ويبعث الموجدة فى قلوبهم أن تؤسر وتسبى، فكان لا يقر لهم قرار إلا أن يعودوا بها مكرمة إلى ديارهم.

ومن موضوعات شعرهم المهمة الوصف، وقد وصفوا كل شئ وقعت عليه أعينهم فى صحرائهم، وفى العادة يذكرون ذلك بعد غزلهم وتشبيبهم إذ يخرج الشعراء إلى وصف رحلاتهم فى الصحراء، فيتحدثون عن قطعهم للمفاوز البعيدة، فوق إبلهم، ويأخذون فى وصفها وصفا مسهبا على نحو ما هو معروف عن طرفة فى وصفه لناقته بمعلقته وقد كاد أن لا يترك فيها عضوا ولا جزءا دون وصف وتصوير، والمفضليات والأصمعيات تزخر بأحاديثهم عنها ومقدار ما كانوا يرون فيها من جمال وكانوا يشبهونها بالقصور ويشبهون قوائمها بالأعمدة وقد يشبهونها بالسفن والقناطر ويشبهون قوائمها بجذوع الطلح ويديها بالصخر الغليظ أو بيدى السابح، وصوتها


(١) المفضليات ص ٣٥، ١٨٦، ٤١٨.
(٢) المفضليات ص ١١٨، ص ١٢٥. بيت ٤ وما بعده ورقم ٥٩ ورقم ١٠٤ بيت ١١، ١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>