للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بصوت القصب وخفافها بالمطارق. وقد يشبونها بالجبل ويشبهون صدرها بالطريق.

وكانوا يشبهونها بكثير من الحيوان مثل الظليم والثور وحمار الوحش، وحينئذ يستطردون إلى وصف هذه الحيوانات وما يكون من عراك بينها وبين كلاب الصيد (١)، يقول الجاحظ: «ومن عادة الشعراء إذا كان الشعر مرثية أو موعظة أن تكون الكلاب هى التى تقتل بقر الوحش، وإذا كان الشعر مديحا وقال كأن ناقتى بقرة من صفتها كذا أن تكون الكلاب هى المقتولة. ليس على أن ذلك حكاية عن قصة بعينها ولكن الثيران ربما جرحت الكلاب وربما قتلتها. وأما فى أكثر ذلك فإنها تكون هى المصابة والكلاب هى السالمة والظافرة وصاحبها الغانم» (٢). وكأنهم كانوا يتخذون قتل الكلاب فى المديح رمزا لأعداء الممدوح، وكانوا فعلا يشبهونهم بالكلاب (٣).

وعلى نحو ما أكثروا من وصف الإبل أكثروا من وصف الماعز كما أكثروا من وصف الخيل وشبهوها بضروب من السباع المنعوتة بالمخالب وطول الأظفار.

ولامرئ القيس قطعة بديعة بمعلقته يصف فيها فرسه الذى اتخذه للصيد، وفيها يقول:

له أيطلا ظبى وساقا نعامة ... وإرخاء سرجان وتقريب تتفل (٤)

يقول أبو عبيدة: «رمما يشبه خلقه من خلق النعامة طول وظيفها (٥) وقصر ساقيها وعرى نسييها (٦) ومما يشبه من خلقه خلق الأرنب صغر كعبيها، ومما يشبه من خلقه خلق الحمار الوحشى غلظ لحمه وظمأ فصوصه وسراته (٧) وتمحّص (٨) عصبه وتمكن أرساغه (٩) وعرض صهوته (١٠). . ومما يشبه من خلقه خلق الكلب هرت (١١) شدقه وطول لسانه وكثرة ريقه وانحدار قصّه (١٢) وسبوغ ضلوعه وطول ذراعيه ورحب


(١) انظر فى ذلك معلقة لبيد والمفضليات رقم ١٧ بيت ٦٤ وما بعده حيث وصف مزرد صائدا مسميا كلابه الستة.
(٢) الحيوان ٢/ ٢٠.
(٣) الأصمعيات ص ١٣٠.
(٤) أيطلا الظبى: خاصرتاه، الإرخاء: سير السرحان وهو الذئب. والتتفل: الثعلب، وتقريبه: قفزه ووثبه.
(٥) الوظيف: مستدق الساق والذراع.
(٦) النسى: عرق فى الساق.
(٧) ظمأ هنا: ضمور، الفصوص: ملتقى كل عظمتين، سراته: أعلاه.
(٨) تمحص: شدة.
(٩) الرسغ فى الحيوان: المستدق بين الحافر وموصل الوظيف من اليد والرجل.
(١٠) الصهوة: مقعد الفارس على الفرس.
(١١) هرت: اتساع.
(١٢) قصه: صدره.

<<  <  ج: ص:  >  >>