العرب وبلاد فارس تمتد من البصرة شمالا إلى عمان جنوبا ومن صحراء الدّهناء غربا إلى البحر (خليج العرب) شرقا. وهى بذلك كانت تشمل إقليم قطر والإقليم الشرقى للمملكة العربية السعودية الآن المشتمل على الأحساء والقطيف وهجر، ومجموعة من الجزر (البحرين الحالية) أكبرها جزيرة أوال ومساحتها نحو خمسة وثلاثين ميلا طولا ونحو عشرة أميال عرضا.
وقد سيطر القرامطة على هذا الإقليم مدة متطاولة من الزمن، إذ غلب عليها بنو الجنّابى بقيادة أبى سعيد سنة ٢٨٦ للهجرة وقد بدأ بالاستيلاء على القطيف. وفى سنة ٢٨٧ غلب على هجر، وسرعان ما تم له الاستيلاء على الإقليم جميعه ونشر فيه عقيدته القرمطية. وقد تحدثنا فى العصر العباسى الثانى عن هذه العقيدة وعن أبى سعيد وابنه أبى طاهر وإغارته على مكة واستباحته دماء الحجاج، واقتلاعه الحجر الأسود ونقله إلى بلاده، ونهبه ما كان بالكعبة من تحف. ولما رجع إلى البحرين رماه الله فى جسده، حتى طال عذابه وتقطعت أوصاله وأطرافه وهو ينظر إليها، ولعذاب الآخرة أشد وأنكى. وفى سنة ٣٣٩ ردّ الحجر الكريم إلى موضعه. وفى عقيدتهم-كما صورناها فى كتاب العصر العباسى الثانى-ضلال كثير. ويبدو أن علاقتهم بالفاطميين-وكانوا لا يزالون فى المهدية بجوار تونس-أخذت فى الفتور. حتى إذا كانت سنة ٣٥٨ قطعوا علاقتهم بهم وأعلنوا خضوعهم للدولة العباسية. ومن أهم أمرائهم الحسين بن أحمد الملقب بالأعصم حفيد أبى طاهر، وكان فارسا وشاعرا مجيدا تولى بعد أبيه سنة ٣٥٩ واتفق فى السنة التالية مع الخليفة العباسى المطيع لله على محاربة الفاطميين، فأمده بالمال والسلاح، وزحف على الشام تحت الرايات السود شعار الدولة العباسية، وبذلك تنكر نهائيا للمذهب الإسماعيلى الفاطمى أساس عقيدته القرمطية، وقد استطاع الاستيلاء على دمشق والرملة، واتجه بجيشه نحو مصر، والتقى بالفاطميين وعساكرهم المغاربة فى عين شمس، وكاد ينتصر عليهم لولا خروج بعض قواده عليه وانضمامهم إلى الفاطميين، فعاد إلى الشام ومنها إلى البحرين. ومر بنا فى حديثنا عن نجد نقل العزيز الفاطمى لجنده من بنى سليم وبنى هلال بن عامر إلى الصعيد وانتقالهم منها فيما بعد إلى المغرب. وفى سنة ٣٦٥ عاد الأعصم إلى الشام لمساعدة أفتكين الرومى مولى البويهيين ضد جوهر الصقلى القائد الفاطمى، ولكن الموت عاجله بالرملة سنة ٣٦٦.
= أعيان القرن التاسع للسخاوى وديوان ابن مقرب العيونى وتحفة المستفيد بتاريخ الأحساء فى القديم والجديد للشيخ محمد بن عبد الله آل عبد القادر (طبع الرياض) وساحل الذهب الأسود لمحمد سعيد المسلم (نشر دار مكتبة الحياة ببيروت) ومقدمة تاريخ العرب الحديث ١/ ٢٤٩ وما بعدها.