صيفا وبزبيد شتاء. واليمن بما قدمنا بلاد ذات ثراء عظيم، وقد قامت بها قديما دول وحضارة باذخة، فلا غرابة أن كان أهلها فى هذا العصر يتمتعون بغير قليل من نعيم الدنيا وخاصة الحكام والوزراء والقادة وكبار التجار، وينقل صبح الأعشى عن بعض الأقدمين قوله:«لأكابر اليمن حظ من رفاهية العيش والتنعم والتفنن فى المأكل: يطبخ فى بيت الرجل منهم عدة ألوان. . وتطيّب أوانيها بالعطر والبخور، ويكون لأحدهم الحاشية والغاشية، وفى بيته العدد الصالح من الإماء، وعلى بابه جملة من الخدم والعبيد والخصيان من الهند والحبوش، ولهم الدور الجليلة والمبانى الأنيقة، إلا الرّخام ودهان الذهب واللازورد فإنه من خواص السلطان لا يشاركه فيه غيره من الرعايا». ويدل من بعض الوجوه على ما كان فى اليمن من ثراء ما يذكر عن بعض وزراء بنى نجاح فى زبيد من أنه كان جوادا وأن نفقة مطبخه فى شهر رمضان كانت تبلغ كل يوم ألف دينار.
ويبدو أن مجتمع اليمن كان يكتظ بكثير من الجوارى والإماء، ويذكر عمارة اليمنى أنه كان لآل نجاح أكثر من ألف أمة، وقد أشاع الإماء والجوارى فى قصور آل نجاح وغيرهم الغناء والطرب. والغناء قديم فى اليمن، وأشار المسعودى إلى أنه كان باليمن لعصره صنفان من الغناء حميرى وحنفى، ولعله يريد صنفا قديما يرجع إلى عهد الدولة الحميرية قبل الإسلام وصنفا إسلاميا حنفيّا أو حنيفيّا. ولا نسمع بعد زمن المسعودى المتطابق مع أول هذا العصر عن مغنين أو مغنيات إلا ما ذكره عمارة فى زمن آل نجاح كما أسلفنا. ويبدو أن الأئمة الزيديين فى صعدة لم يفسحوا للغناء بل حاربوه طوال عصورهم، أما الدول الأخرى فلعلها فسحت له، يدل على ذلك ما يذكر من غناء ورقص فى بعض الاحتفالات، ومن أهمها احتفال السلطان الرسولى الأشرف لسنة ٧٩٤ بختان أبنائه وهو احتفال له دلالات كثيرة، ولا بأس من أن نوجزه نقلا عن الخزرجى فى كتابه العقود اللؤلوية إذ يذكر أن الإعداد لهذا الاحتفال بدأ فى شهر شوال عقب عيد الفطر وأنهم أخذوا يحضرون الطير وأنواع الحيوان والأطعمة والبقول والتوابل والفواكه وأنواع الطيب والرياحين مما لا حصر له وألوان الحلوى. ويعدّد الخزرجى أسماء الآنية وأنواعها الكثيرة ويذكر أن الأمراء وكبار رجال الدولة قدم كل منهم هدية، وكان كل من يقدم هدية يجعل معها المغانى والرياحين والبوّاقين يزفونها إلى باب الدار. وأقيمت للناس أربعة سماطات: سماط الطعام وسماط الحلوى وسماط المكسرات من اللوز والجوز والفستق والبندق وسماط رابع خاص بالعطور والمباخر، ويشمل المسك والصندل والعود والبنفسج والعنبر والغالية وماء الورد. ويذكر الخزرجى أنه كان هناك من المغانى والراقصات ما أدهش الحاضرين، وفى ذلك ما قد يدل