للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على أن الرسوليين لم يحاربوا الغناء فى دولتهم، بل لعلهم شجعوا عليه. ويذهب الدكتور محمد عبده غانم إلى أن الغناء الصنعانى العربى التى اشتهرت به صنعاء واليمن ربما بدأ فى أواسط العصر الرسولى أو فى أواخره. وفى رأيى أنه على الرغم من محاربة الأئمة الزيدية له كانت هناك نهضة غنائية فى صنعاء وغيرها من مدن اليمن، على الأقل منذ العهد الرسولى، كما تدل على ذلك المغانى والراقصات فى الاحتفال السابق، بل لعلها تتقدم هذا العهد متصلة بزمن النجاحيين فى القرن السادس، إذ نجد لابن سناء الملك المصرى المتوفى سنة ٦٠٨ وابن النبيه المصرى المتوفى سنة ٦١٩ وابن الفارض المتوفى سنة ٦٣٢ أشعارا يلحنها اليمنيون بألحان غنائهم الصنعانى، على نحو ما عرض ذلك الدكتور غانم فى كتابه، وأيضا فإننا نجد للشاعر اليمنى ابن هتيمل شاعر القرن السابع الهجرى أشعارا ملحنة بهذا الغناء، وكذلك للبرعى الشاعر اليمنى الصوفى المشهور فى القرن الثامن، وتتوالى بعد ذلك الأغانى فى شعر القاضى موسى بن يحيى بهران والأمير الزيدى محمد بن إسحق. وتكثر الأغانى الشعبية الصنعانية، وكل ذلك دليل على نهضة غنائية باليمن.

وأشار الخزرجى فى الاحتفال السابق إلى أنه حضره كثيرات من النساء المحصنات (العفيفات) وكثيرات من نساء الأمراء المقدّمين. ولعل فى ذلك ما يدل من بعض الوجوه على أن المرأة كانت تحظى فى اليمن بغير قليل من الحرية. ومرّ بنا أن أسماء زوجة على ابن محمد الصّليحى كانت من فضليات النساء، وكان الناس من شعراء وغير شعراء يقصدونها فتبرّهم، وكان ابنها المكرّم يجلّها إجلالا عظيما، وكانت لا تستر وجهها من الحاضرين، وكان زوجها يكل إليها تدبير بعض شئون الدولة.

وحين مرض ابنها المكرّم بالفالج فوّض شئون الدولة إلى زوجته الملكة الحرة أروى بنت أحمد الصليحى سنة ٤٦٧ فأحسنت القيام عليها وتدبيرها إلى أن توفى سنة ٤٨٤ وتولّت بعده شئون الحكم، كما مر بنا، إلى أن توفيت سنة ٥٣٢ وهى التى أمرت ببناء جامع جبلة والجناح الشرقى فى جامع صنعاء.

وكانت حضرموت من قديم متصلة باليمن، بل كانت أحيانا تعد جزءا منها، وكان واليها فى القديم هو نفس والى اليمن. وقد يعيّن عليها نائبا له، وحدث ذلك كثيرا على نحو ما مرّ بنا فى تاريخها السياسى. ومما لا شك فيه أن اليمن تسبقها وتتفوق عليها أشواطا فى الخصب وكثرة الزروع. وهى بلاد جبلية يشقّها واد عظيم تتفرع منه أودية مختلفة، كما مر بنا. وأهم حاصلاتها اللّبان (الكندر) والحنطة والذرة والتمور، وأهلها يهبطون فى التحضر

<<  <  ج: ص:  >  >>