للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

درجات كثيرة عن أهل اليمن، لشظف العيش بديارهم، وهم ملاّحون ممتازون وجعلت الملاحة شطرا كبيرا منهم تجارا، وإليهم يرجع الفضل الأكبر فى نشر الإسلام بشرقى إفريقيا وبالملايو وإندونسيا والهند. وهم بحق أبناء المحيط الهندى، جابوه شرقا وغربا، ونزلوا فى أقاليمه، وعايشوا سكانها، ولهم فى كل إقليم نزلوه منزلة رفيعة وأموال وتجارات واسعة.

وبجانب حضر موت ظفار، وطبيعتهما واحدة، فهى الأخرى جبلية، وأهلها يزرعون الموز والحنطة والذرة معتمدين فى ذلك على مياه الأمطار، وهم يرعون الأنعام والأغنام، ويشتهرون بتربية نوع من الخيل الأصيلة وطبيعى أن يعنوا بصيد السمك لطول شواطئهم على المحيط الهندى أو بحر العرب. وسقطت إليهم بعض مظاهر الحضارة، التى رأيناها فى اليمن، ويقول ابن بطوطة إنه شاهد الطبول والأبواق تضرب على أبواب أمرائهم بعد صلاة العصر من كل يوم.

وعمان إقليم كبير فى الجنوب الشرقى من الجزيرة، وهى تطل على بحر العرب من جهة وعلى الخليج العربى من جهة ثانية، وترسو بها السفن من الزنج والهند وإندونيسيا، وينزلها إيرانيون كثيرون من قديم، وجعل ذلك أهلها يتألفون من عناصر كثيرة:

عربية وإفريقية وإيرانية وهندية، والغلبة للعنصر العربى. وبداخلها جبل عظيم الارتفاع تتشعب منه تسعة أودية جميعها لبنى رئام وبجنوبيه مدينة نزوى عاصمة الخوارج.

ومن أهم موانى عمان صحار وكانت عاصمتها قديما، ومسقط وهى عاصمتها الآن. وتكثر على سواحلها مغاصات اللؤلؤ، وهى كثيرة التمور والفواكه والزروع من الحنطة والذرة والشعير. وقال ابن بطوطة عنها حين نزل بها سنة ٧٢٥: إنها خصبة وبها أنهار وأشجار وبساتين وحدائق نخل وفاكهة كثيرة متنوعة، ويصف نزوى عاصمة الخوارج بأنها مدينة بنيت فى سفح جبل، تحفّ بها البساتين والأنهار، ولها أسواق حسنة ومساجد معظمة ويذكر أن من عادات أهلها الأكل فى صحون المساجد، يأتى كل إنسان بما لديه من الأكل، ويأكل معهم الوارد والصادر، ويثنى على أهلها قائلا: «لهم نجدة وشجاعة». ثم يتحدث عن مدينة عمان وسلطانها أبى محمد بن نبهان، ويقول إنه يجلس خارج باب داره فى مجلس هنالك ولا حاجب عليه ولا وزير بين يديه، ولا يمنع أحدا من الدخول عليه سواء أكان مواطنا أم غريبا، ويكرم الضيف على عادة العرب، ويعيّن له مدة الضيافة ويعطيه حسب قدره. ويلاحظ ابن بطوطة ملاحظة عامة، هى نقص الغيرة هناك على النساء وأكبر الظن أنه بالغ فى تصوره وملاحظته. وكل شئ يؤكد أن هذا الإقليم كان على شئ غير قليل من الثراء، وهو ثراء مكّن سلطان بن سيف اليعربى فى القرن الحادى

<<  <  ج: ص:  >  >>