واستحلّ المحارم، ودعا الناس إلى ارتكاب المآثم وانتهت دعوته بموته سنة ٣٠٣ كما قدمنا.
وظل دعاة الفاطميين الإسماعيليين نشطين باليمن إلى أن استمالوا على بن محمد الصليحى للدعوة الإسماعيلية، واستطاع-كما رأينا فى غير هذا الموضع-أن يؤسس الدولة الصّليحيّة، وأن يستولى على زبيد وصنعاء وعدن، واتخذ صنعاء عاصمة له. وحرى بنا أن نتوقف قليلا للحديث عن المذهب الفاطمى الإسماعيلى الذى كان يدين به هو وكثيرون من أهل إمارته. وقد ذكرنا آنفا أن القرامطة كانوا فرعا من المذهب الإسماعيلى ضلّ هداه.
وقد اتخذ هذا المذهب فى أول أمره شكل جمعية سرية كوّن مبادئها عبد الله بن ميمون القدّاح، وهى مبادئ غمست غمسا فى نظرية الفيض الأفلاطونية التى سكبوها فى نظرية الأدوار عندهم، إذ يذهبون إلى أن الأئمة يتوالون فى أدوار، وكل دور يتألف من سبعة من هؤلاء الأئمة يتعاقبون والسابع هو العقل الكلى الناطق عن القوى الخارقة، والأئمة الستة السابقون له نفوس كلية تمهد له وتدعم عمل الناطق قبل ظهوره. والإمام له نسبتان: نسبة إلى عالم القدس، ونسبة إلى عالم الطبيعة. وفى مبادئهم أن قدرة الله تنتقل إلى العقل الكلى أو بعبارة أخرى إلى الإمام السابع فى كل دور، ولذلك يوصف- عندهم-بما توصف به الذات العلية من أسماء وصفات، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
وفى عقيدتهم أن آيات القرآن الكريم ينبغى أن تفهم فهما باطنا مجازيا، ولا تفهم فهما ظاهرا أو ظاهريا، حتى يؤوّلوها كما يشاءون. والمنتظم فى سلك الدعوة-عندهم-يتدرّج فى سبع مراتب وبلغت تسعا. وظلت الدولة الصليحية قائمة-كما أسلفنا-حتى سنة ٥٣٢ ولم تنته الدعوة الإسماعيلية بانتهائها فقد كان بنو زريع حكام عدن إسماعيليين فاطميين، وظلوا على عدن حتى تسلمها منهم توران شاه سنة ٥٦٩. وتلاشت بذلك الدعوة نهائيا بقضاء الأيوبيين عليها فى اليمن ومصر، وبقيت فترة حية فى المدينة بالحجاز لما ذكرناه من أن الأسرة الحسينية الحاكمة هناك كانت إسماعيلية، ونظن ظنا أن هذه الأسرة لم تمض بعد القضاء على الدولة الفاطمية الإسماعيلية بمصر فى اعتناق هذه العقيدة طويلا وأنها اعتنقت نحلة الشيعة الإمامية الاثنى عشرية.
ومعروف أن النحلة الإمامية تسربت إلى شرقىّ الجزيرة، وعند أصحاب هذه النحلة أن الإمامية تتوالى فى اثنى عشر إماما. ولذلك يسمى أصحابها باسم الاثنى عشرية، وآخرهم المهدى المنتظر المتوفى سنة ٢٦٠ وقد ذهبوا إلى أنه لم يمت وإنما غاب وسيعود ليملأ الأرض عدلا. ولم تقم للإمامية دولة فى الجزيرة العربية، غير أنها تسربت إلى بعض البيئات وبعض الأسر فى الخليج العربى، وقد مر بنا أنه غلب على البحرين بعد القرامطة ولاة كانوا يدينون