للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لابن الفارض، ولعل فى ذلك ما يدل على صلة التصوف اليمنى بالتصوف السنى المصرى عند ابن الفارض وأمثاله، ولا يبعد أن تكون أشعار البوصيرى فى مدائح الرسول صلى الله عليه وسلم وصلتهم، وتغنوا بها إذ لا نصل إلى نهاية القرن الثامن الهجرى حتى يلقانا عندهم شاعر صوفى سنى هو عبد الرحيم البرعى المتوفى سنة ٨٠٣ للهجرة، وأشعاره موزعة بين التصوف أو الحب الإلهى والمدائح النبوية. وعلى غراره محمد بن إبراهيم الوزير، وله ديوان شعر كله ابتهالات وزهد وتصوف. ومن صوفية اليمن وزهادهم وراء من سميناهم عبد الله بن أسعد اليافعى صاحب كتاب مرآة الجنان المتوفى سنة ٧٦٨ وكان كثير العبادة والورع وجاور بمكة وقد تجرد للعبادة والنسك عشر سنوات يتردد فيها بين الحرمين، وزار مصر، وكان ابنه عبد الرحمن زاهدا صوفيا على شاكلته وصحب الصالحين ببلاد كثيرة. وما زالت موجتا الزهد والتصوف تنتشران فى اليمن، وإن كان يلاحظ أن موجة التصوف خفت فى عهد الإمامة الزيدية حين أصبح لها زعامة اليمن فى مواجهة العثمانيين، ولم يكن العثمانيون يعارضون الطرق الصوفية ولا كانوا يتعرضون لأهلها، بينما كان كثيرون من أئمة الزيديين وأتباعهم يحاربون حلقات الذكر المنتشرة فى البلاد، حتى نهاية هذا العصر.

وعلى نحو ما كان الزهد والتصوف منتشرين فى اليمن كانا أيضا منتشرين فى حضرموت حتى لنجد عبد الله السقاف فى كتابه عن شعرائها يقول فى مقدمته: إنك ترى فى شعرهم جميعا طلاء صوفيا. وفى الكتاب شعر زاهد كثير وكذلك شعر صوفى كثير فى محبة الله ومحبة رسوله ومديحه. ويكثر عند السقاف وصف الشاعر بلقب الصوفى الزاهد التقى الورع. ومن الشعراء الصوفية الذين ترجم لهم أبو بكر العيدروس المتوفى سنة ٩١٤ وعمر بامخرمة المتوفى سنة ٩٥٢ وكان كلما سار حفّ به مريدون يذكرون الله وقد يتغنون ويرقصون، وكان له مجلس ذكر وسماع وغناء. وممن ترجم لهم أيضا السقاف عبد الله الحداد العلوى المتوفى سنة ١١٣٢ وعبد الرحمن بن مصطفى العيدروس المتوفى سنة ١١٩٢ ويفيض كتاب السقاف بسيول من شعر الزهد والتصوف.

ولم تكن عمان وإقليمها يوما بيئة تصوف لغلبة الخوارج الإباضية عليها، وهم بدون ريب أصحاب زهد وتقشف، وقد وصف أبو حمزة الخارجى شبابهم قديما بأنهم «غضيضة عن الشر أعينهم، ثقيلة عن الباطل أرجلهم، أنضاء عبادة وأطلاح (أنضاء) سهر» وطبيعى أن يتغنى شعراؤهم بالزهد والنسك والعبادة والتقشف ورفض عرض الحياة الزائل ابتغاء ما عند الله من الثواب الآجل. ونجد عند شعراء بنى نبهان لمعة من الزهد والمديح النبوى.

<<  <  ج: ص:  >  >>