للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحصول عليه رغم تطوافه فى البلدان لجأ إلى النداء عليه فى الحج، ليخبره عنه بعض من رآه فى مكتبة من المكتبات المتناثرة بين الأندلس وأواسط آسيا حتى الهند. وكان العالم فى أى علم أو فن يرى أن علمه فيه لا يكتمل إلا إذا رحل شرقا وغربا وأبعد فى رحلته ليلقى العلماء ويقرأ كتب التراث الخاصة بالعلم أو الفن الذى يريد التعمق فيه. ونقلوا فى أثناء ذلك إلى بلدانهم ما كتبه الأسلاف ومعاصروهم، وفتحت المكتبات فى كل بلد صدرها لتستقبل الكتب وتجزى حملتها خير الجزاء.

ومعنى ذلك أننا إذا تحدثنا عن النشاط فى علم بأى بلد من البلدان العربية وسمينا فيه بعض علماء إنما نتخذهم رموزا للحركة العلمية الكبيرة، وهى أكبر جدا من أسمائهم، لأنها تعنى النشاط العلمى فى العالم العربى جميعه، إذ كانت كتبه ومصنفاته تصبّ فى كل البلدان العربية، وقام عليها علماء ومدرسون مختلفون يقدمونها للطلاب. وقد يضيفون إليها فى كل علم مصنفات جديدة وكان يكون عيدا لطلاب العلم وأساتذته أن يفد عليهم عالم من البلاد العربية، إذ كانت معرفتهم بكتبه ومصنفاته تسبقه، فكان بمجرد نزوله فى بلد يتحول فى التوّ محاضرا ويتحلق حوله الطلاب يفيدون من علمه.

كانت هناك إذن بين البلاد العربية دورة علمية، أشبه ما تكون بالدورة الدموية، تدور فيها الكتب والمؤلفات من بلد إلى آخر، ويدور العلماء أنفسهم. وكانت الجزيرة العربية تدخل فى هذه الدورة، تدخل فيها نجد بقراها التى أخذت تعنى بتعلم العربية منذ أن هجرت أو كادت الإعراب فى القرن السابع الهجرى وما بعده. أما الحجاز ومكة فكانا يعنيان باللغة من قديم، كما كانا يعنيان بالنحو، وكان يوجد لهما دائما مدرسون ينهضون بهما سوى من كان ينزل مكة والمدينة من كبار علماء العربية، ويكفى أن نذكر من بينهم عبد الله ابن طلحة (١) الأندلسى المتوفى بمكة سنة ٥٢٣ وقد اشتهر بإحسانه لتدريس كتاب سيبويه على الطلاب فى الحرم المكى، مما جعل الزمخشرى (٢) يرحل فى شبيته إلى مكة من موطنه خوارزم ليأخذه عنه، وقد جاور بمكة-بدوره-مدة طويلة ألف فيها كثيرا من كتبه، وكان لا يبارى فى اللغة والنحو وألف فيهما مؤلفات دوّت شهرتها فى العالم العربى، منها معجمه المشهور أساس البلاغة الذى رتب مواده بحسب الحرف الأول، وأدخل فيها كثيرا


(١) انظره فى التكملة لابن الأبار ٢/ ٨١٥ والعقد الثمين ٥/ ١٨٢ وبغية الوعاة والبحر المحيط لأبى حيان ٤/ ٣٧٢.
(٢) راجع فى الزمخشرى ابن خلكان (طبعة دار صادر ببيروت) ٥/ ١٦٨ وانظر بقية مصادر ترجمته فى الفصل الثانى من القسم الخاص بإيران.

<<  <  ج: ص:  >  >>